الذكرى الثانية

1.يحقّ لأنصار 25 جويلية2021 أن يحتفلوا بما أنجزته غزوة الدبّابة، داهمت برلمان الشعب ليلًا فأغلقت بابه ومنعت نوابَه المنتخَبين من مزاولة أعمالهم.. نواب الشعب التونسيّ هؤلاء، لأنّهم متَّهَمون في وطنيّتهم استحقّوا، في عُرف الدبّابة الغازية، أن تُنهشَ أعراضهم وأن تُكْسَّرَ عظامُهُم بعد ثورة دفع فيها الشعب الذي انتخبهم من أرواح أبنائه ومن دمائهم الكثير.. كان على الشعب أن يدفع ثمن فعلته بما يرى من مصير نوابه ومآل برلمانه، حتّى يعلنَ توبته ولا تحدّثَه نفسُه الأمّارة بالثورة بأن يعيد الكرّةَ.

2. يحقّ لهؤلاء المزمّرين أن يرقصوا على إيقاع ما زمّروا بعد أن نجحوا في إيقاف زحف الربيع العبريّ وتمكّنوا، بعد عشر سنين من النضال الدؤوب، من صناعة ربيعهم العربيّ المجيد.. وليس أدلّ على ربيع العروبة الزاهرة من زهرة تنبت ليلًا عند باب البرلمان، وزهرة الربيع العربيّ لا تكون إلّا في شكل دبّابة تجثم عند الباب في انتظار اللحظة التاريخيّة الفارقة، حتّى إذا أقبل نواب الشعب على أعمالهم صدّتهم ومنعتهم وهدّدتهم وطاردتهم وشرّدتهم.. وبقيت فوق صدر الوطن تكتم الأنفاس زمنا طويلا كافيا لتعميم الخراب بتهديم المؤسسات الدستوريّة المحكَّمة.. لتقوم على أنقاضها، من جديد دولةٌ ضاقت بالثورة ولم تهضم ما جاء معها من "فوضى".

3. يحقّ لهم أن يفخروا بسائق الدبابة الأعلى يخرج على الناس حانقا حاقدا يتوعّد الشعب بوابل من الرصاص في بلد كان شعبه يظنّ أنّ جيشه قد ادّخر رصاصه لأعداء الوطن دون سواهم، حتّى جاء من يقلب عقيدته ويستعمله ضدّ أبناء الشعب، وما الشعب سوى جمهور خونة وعملاء وجبت تصفيتُهم لتطهيرُ الأرض منهم حتّى تعود البلاد كما كانت في الزمان النوفمبري العتيد مدينةً فاضلةً يحكمها مبعوث سماويّ لا يشبه أبناء الأرض في شيء.. ليقال دولة واحدة ذات رسالة عابرة للقارّات.. وسيادة تستحقّ بها القيادة.

4. يحقّ لأنصار تصحيح المسار أن يفخروا وقد كانت السياسة "ملوَّثة" بالاختلاف وملوّنة بالتعدّد و"مختلّة" بالتنوّع، فجاءت الدبّابة تنسخ الثورة.. تطهِّر السياسة وتقطع دابر الاختلاف فيها وتصبغها بالوحدانية وتعدل ميزانها برأيِ واحدٍ أحد لا شريك له يشبه الآلهة ولا يتشبّه بالبشر.. في زمان موت الآلهة وأحكام البشر.

5. يحقّ لهؤلاء الذين بَشمتهم الحريّة أن يفخروا بقمع الحريات وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق واحتكار الوطنية وتعميم صمت القبور لتعود الدولة إلى وحدتها، علامتُها الوحيدة في رأسها وعنوانُ الرأس في القصر.. يُؤتى إليه فيه ولا يأتي إلى أحد إلّا ما استوجبته اللقطة لتسويق الصورة ليقال "يشبه الناس".. "لا يأكل حتّى يجوع وإذا أكل فلا يشبع".. ولا يشبع.

6. يحقّ لهم أن ينعموا بدولة واحدة ذات سيادة، برأس واحد بيده كلّ مفاتيح القيادة في الدنيا والطريق إلى الآخرة.. رأس جُمعت فيه الحواس الخمس:

• حاسة التشريع له وحده دون سواه،

• وحاسة القضاء يقضي بين الناس بعدل ولا عدل عمر بن الخطاب في البغلة العاثرة.

• وحاسة التنفيذ، يسير على غير منهج ويفعل ما يخطر له ممّا لا يخطر على بال أحد، لا يخشى مساءلة من أحد.

• وحاسة الإعلام، يوعز إلى الغوغاء فتنشر من الأنباء ما يشاء ولا تُري الناس إلا ما يرى.

• وحاسة الإدارة يدير بها شؤون الناس على فراغ يتوسّع فلا يتوقّف، حتّى إذا قصّر مديرٌ عزا قصوره إلى التآمر وأصدر أمره بعزله.. لتنتهيَ المشكلة.. فيتفرّغ لمدير آخر يعزله ساعةَ يشاء.

لقد حلَّ المشكل السياسي بعزل السياسيين، وحلّ المشكل الاجتماعي بعزل المديرين.. دون أن يقوم من مقامه، وذاك شأن العباقرة يجلس التاريخ بين أيديهم يتعلّمُ.. المشاكل شتّى والحلُّ وَصْفَتُه واحدة: العزل، ولا شيء غير العزل.

7. الآن، مرّ عامان على هجوم الدبابة على برلمان الشعب، فما الذي أنجزته الدبابةُ وسائسُها؟ -

- يجفّ الماء تناسبا مع اشتداد الحرّ على الناس.

- ويختفي الدواء تناسبا مع انتشار الفيروسات في الشتاء.

- تنضب الطاقة وتتعطّل الكهرباء.

- يختفي الخبز من المخابز حتى يجوع الناس وينشغلوا بالاصطفاف في طوابير مثلما تصطفّ دوابّ على الأعلاف..وكلّ أعناق الدوابّ في أعلافها.

- تختفي الموادُّ من الأسواق، فإذا عادت إلى الظهور تضاعفت أثمانُها فأقبل الناس عليها بلهفة تنسيهم اشتعال أسعارها.

8. كلّ هذا ورئيس برلمان الشعب الشرعيّ في السجن بلا تهمة ونواب الشعب داخل المعتقلات وأبناء الوطن بين شريد وطريد في هذا الحرّ الشديد، يُعتقَلون ريثما توجد تهمة تصلح لتبرير التنكيل بهم..

التنكيل بالخصوم مدخل ضروريّ لجميع حركات التصحيح العربيّ.. تُكتَم الأصوات في اجترار لشعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".. "الكاتالوغ" يستوجب معركة وإن غاب العدوّ.. أعداء الداخل أدهى وأمرّ.. وكلّ الداخل بات في عرف الدولة عدوّا..

9. مشهد الدبابة عند باب البرلمان كان رأس هذه القاطرة التي عمرُها، الآن، سنتان.. كان لا بدّ من بهلوانيات مرافقة لمشهد الدبابة الجاثمة لاستكمال المعركة.. الدبّابة لا تتحرّك إلّا لأجل دفع خطر، وليس أخطر على بلاد من أن يتحوّل شعبها إلى جمهور من العملاء الخونة الملاعين، تفرغ الدبابة وسعها فيهم ولا تجد وقتا لحماية ولا لرعاية.. الدولة منشغلة عن شؤون الناس بمحاربة العملاء لتطهير البلاد منهم، ثمّ بعد ذلك يعمّ الأمن والأمان.. وتعود السعادة القديمة إلى "الشيب والشبيبة".. ويسعد الإنسان.

10. ذاك هو معنى العلوّ الشاهق الرهيب الذي استوجب أن تفرغ الحياة من كلّ الهواء الذي فيها ليتنفّسه ربّان الأعالي في الأعالي، انتدبته الس,ماء لقيادة الشعب إلى قيامته الأخيرة.

11. يحقّ لكم، أيّها المزمّرون الراقصون، أن تفخروا بالربيع العربيّ الزاهي... لا ضير في انتشار الصحراء وزحف الرمال.. المطرُ في السماء ينتظر ترتيب الأمور لينزل على تونس لتفيض على العالَمين.

وتنتشر المعجزات. ويعمّ الرخاء.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات