الديموقراطية : سياسة الهدم من الداخل ....

Photo

كم أسعدني أن أرى مترشّحين للرئاسة أشباه معتوهين ، فاقدين للأهلية وأنصاف مجانين ، وكم أسعدني تضخم قائمات التشريعية إلى حدّ لم يتخلّف عنها إلا العاجز والمقعد وصاحب الثمانين . هذا هو المعنى الحقيقي لشعار السلطة ملك الشعب ! .. أوليس هؤلاء جزء من الشعب ؟؟ ! .

حتى تعود السلطة لأهلها ينبغي أولا رفع الحواجز النفسية و الطبقية والجهوية والعرقية التي تحوطها ، والقداسة الخبيثة التي تُسيّجها . السلطة هي مؤسسة مجتمعية يختار الشعب ممثليها ، وعليه وحده تترتب مسؤولية أخطاء الحاكم وخطاياه : عاقلا كان أو مجنونا ، لصّا محترفا أو مأبونا! .

ودعك من معجم الهيبة والمقام .. لا هيبة إلا للمؤسسة ، ولا قداسة إلا للنافذ من القانون . تلكم جميعا مصطلحات زائفة لنصب الكمائن الانتخابية حتى تعود من جديد السلالات الملكية والكمبرادورية و "البلدية " ومن وُلِدوا وعلى سيماهم تقرأ : نحن رجال الدولة ! .

لطالما اغتصبوا السلطة تحت هذه المسميات ، وباسم الزعامة والفخامة وأصحاب المقامات . هذا عن الظاهر .. ولكن في السياسة ابحث دوما عمّا وراء المظاهر ! .

في الحقيقة ، التصويت بنعم لأحد هؤلاء الذين " أساؤوا للدولة وهيبتها " هو خيار أخف الضررين !.. أن تنتخب معتوها فقط أفضل من أن تنتخب ذهانيا ولصا معا ، مهووسا بالسلطة والمال والنفوذ إلى حدّ الجنون !.

أيهما أخطر على مستقبل هذا البلد : من يظن أنه المهدي المنتظر وأن بإمكانه حل جميع الأحزاب ، أم من هو قادر على ذلك فعلا ؟؟ .

اعتقادي الراسخ أن النظم الديموقراطية ليست الأمثل ، ولكنها بكل تأكيد هي الأفضل . غير أنها تعاني من إشكالية خطيرة هي سرعة التعفن من الداخل مع المحافظة على سلامة المظهر العام من الخارج ! . وديموقراطيتنا اليوم تكاد تكون غير صالحة للاستهلاك المواطني ! .

الانتخابات الصورية تحتاج دوما إلى كومبارس يملأ خلفية الصورة حتى تبدو أكثر إيهاما . نحن نعرف هذه الحقيقة منذ عهود الاستبداد . الذي تغير هو أن المرشح الذي يناشد الحاكم ويصوّت له احتل مكانه مرشح مثير لسخرية العامة ويحتفظ بصوته لنفسه .. الصورة مختلفة بلا شك ولكن الأدوار تتماثل ، وإن كانت اليوم أكثر إقناعا .

عندما يتدافع الاعلام من أجل إظهار صور مترشحين فولكلوريين وغريبي الأطوار ، فإن هذه الصورة التي تخاطب مخيالنا الشعبي تدفعك بدون تفكير إلى أحضان هؤلاء الذين يحسنون الكلام حتى وإن كان قناعا ، ورمي الوعود حتى وإن كانت خداعا .

إنها استيراتيجيا ذكية لتبييض وتسويق المترشحين الحقيقيين ، وهم في الغالب لصوص أو وكلاء يحتاجون إلى دش و عطورات من هذا القبيل .

إن الصورة التي التُقِطت للمترشح نبيل القروي مع المترشح عليّة حمدي في قاعة الانتظار هي جزء من حملة انتخابية خفية ومن مقرّ الهيئة نفسها.. هذه الصورة تقول : انتخبوا نبيل حتى وإن كان لصا أو رجل عصابة حتى لا تنتخبوا عليّة ! لا تفتحوا باب قرطاج للجميع ، حتى يطمع فيه كل رعاع وهمجيّ ومن سوّده لفح الهجير ! . نحن السلطة والسلطة نحن ..

يقول المثل : عش رجبا تر عجبا . وأعتقد أن على الهيئة أن تقرن مستقبلا بين الانتخابات وشهر رجب .. ففي عجائبها ما يليق بهذا الشهر! .

لقد أصبحت المواسم الانتخابية تشبه في غرابتها وقائع رسالة الغفران المتخيّلة أو جحيم دانتي .. فقد فارقت منطق الواقع تقريبا ، وغدت فصلا ساخرا من فصول مسرح يراوح بين التراجيديا والكوميديا !

عندما يشترط في المرشح الرئاسي أن يكون حانوتيّا قبل كل شيء ، فهذا تطور لافت في العمل السياسي .. فالرئيس عليه أن يكون مستعدّا في كل وقت لدفن الوطن ! .

وعندما تصبح وصايا السياسيين الأموات جزء من فقه الميراث ، فهذا تطور جذري للممارسة الديموقراطية حيث يتأسس الحكم على الملكية الخاصة ومبدأ الوصية والتوريث !

وعندما يصبح آخر لقاء مع آخر رئيس تفويضا للحكم لا يقبل التأويل ، فنحن انتقلنا في الواقع من منطق الانتخاب إلى منطق الخلافة وولاية العهد ! .

وعندما تبلغ قائمة المترشحين المتابعين عدليا ثلاثة عشر بعد المائة فهذا يعني أن مجلس النواب تحول إلى مجلس الحصانات واللوبيات ! . كل من لديه خطيئة يحتمي بحياضه ، ويطلب الإجارة لنفسه وأمواله . لقد أصبح مثل مغارة الأربعين حرامي .. وعلي بابا مازال حطابا كما كان ، لم يهتد بعد إلى بابها ولا إلى مفتاح مغاليقها ! .

وعندما يوصف مرشح آخر بالجنون ، فهذا يذكرنا بأسلوب قديم جديد . فالسيد المنصف المرزوقي لم يتم الاعتراف به رئيسا قط . فأشبعوه شتما وسبّا ورموه بالجنون ! . ثم أضافوا لصفته لازمة المؤقت حتى لا تدنس القصور باسمه إلى الأبد .!

لقد بلغت صناعة الرؤساء اليوم حدا من التطور جعلها قادرة على انتاج رئيس في يوم واحد ، رئيس لا يملك لسانا يتحدث به ولا برنامجا يعرف له ، ولا نوايا سياسية تُسْند إليه.. بإمكانها أن تبيع العامة قطا في كيس لتقنعنا بأنه أفضل رئيس ! .. إنه فنّ التلاعب بالرأي العام وتوجيهه وفقا لمصالح فئات ما ، وهو فنّ يسنده وعي في الحضيض.

والراهن السياسي اليوم هو في طريق مفتوح نحو اللبننة حتى وإن لم تكن لدينا طوائف ومذاهب فاللوبيات استولت على مؤسسات الدولة أمام مرأى ومسمع من القانون والدستور .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات