من صميم حياتي : قصة واقعيّة جدّا

Photo

لقد عشتُ طويلا جدّا إلى الدرجة الّتى نسيتُ فيها تاريخ ميلادي و مسقط رأسي .. و قد تطلّب الأمر مجهودا حقيقيّا حتّى لِأتذكّر إسمي .. حيث قضّيت الأسابيع الأخيرة من حياتي تائها في الشوارع المجهولة باحثا عن الطريق إلى الإنسان .

الّذين وجدوني ضائعا على الأرصفة الملوّثة بالذّكريات البذيئة للسّكارى و المجرمين .. طلبوا منّي إسمي و وعدوني بإعادتي سالما إلى أمّي .. و لكنّي لم أقدر على معرفة الجواب فقلتُ لهم : " أنا الإنسان ."

ساعتها أدركوا نهائيّا أنّي واقع في جنون خطير و غير مسبوق فلاذوا بالفرار خوفا من أن أُطاردهم بالحجارة و اللعنات .

أنجبتني أمّي في عصور غابرة لم يبقَ لها من أثر .. و قد أقام جدّي الولائم إحتفاءً بحفيده الأوّل فدامت السهرات المجنونة ثلاث شهور كاملة أطعمَ فيها آلاف البشر من الجيران و الأهالي و عابري السبيل و الفارّين من المجاعات التي كانت تطارد الناس في كلّ مكان و تقتلهم حيثما حاصرتهم بلا أدنى شفقة .

و تقول الأخبار أنّ الرفيق الثّائر فيدل كاسترو قد مرّ بجنوده من هناك فأكلوا و شربوا كثيرا من الخمور و رقصوا حتّى الفجر ثمّ إختفوا و آختفت معهم 3 نساء من جميلات الحيّ و 6 بقرات و 20 حمارا .. و تركوا ورائهم ورقة علّقوها على الباب الكبير : " إنها لوازم الحركة الثوريّة أيها القوم الرائعون " .

وُلِدت في ذاك العالم الغريب حيث توّجني جدّي منذ الصّغر بتاج الإمارة .. إذ أعلنَني أميرا على ما تبقّى له من الخرفان و الدجاج و البقر و الأرانب فكنتُ أرعى بهم في الجبال الموحشة و خلفي 10 كلاب متوحّشة تثير الرعب حتّى في أشرس الأسود و الضّباع.

هناك في تلك المتاهة تعرّفتُ على أجمل نساء العالم فقد رأيتهنَّ يتدلِّينَ كالثّمار من على أشجار الشّغف .. و كنت أقطفهنّ و أضعهنّ في أكياس كبيرة و أنا أفركُ يدي فرحا بالغنائم الذهبيّة .. بل حدث يوما أن كنت وحيدا في الجبال النّائية مع أغنامي و أبقاري و كلابي المتوحّشة و إذا بالسّماء تُمطر نساءً من أجمل ما رأيتُ فكنت أهمّ بإحداهنّ لأضعها على ظهر حماري و أعود بها مسرعا إلى جدّي و لكنّها كانت تذوب بين أصابعي كالثّلج الأبيض الخفيف و اللمّاع و حين كففتُ عن محاولة القبض عليهنّ صِرنَ يجتمعن حولي فيغنّين و يرقصن و يقُلن لي أجمل الكلام و يُحدّثنَنِي بأجمل الحكايات .. ثمّ تحوّلن فجأةً إلى حماماتٍ جميلات و ناعمات و سافرن إلى أعالي السّماء ..

كنت أبكي لذلك طويلا حتّى يكلّمني حماري دحداح : " قم أيّها الأمير فالأغنام قد مضت على طريق العودة و الليل سيداهمنا " .

و هناك على الطريق إلى الإنسان .. كان يعترضني شباب القرية فأُلقي لهم بكيس النّساء الجميلات اللاتي جمعتهنّ من الاشجار .. فيقول لي أحدهم : " يا نضال ، لماذا لا تأخذ لك واحدة تتسلّى بها مثلنا " .

و لكنّي منذ قرون من الزمان كنت أُجيب نفس الجواب : " أبحث عن حبيبة لا عن جارية .. و حبيبتي لن تكون من صنف الأشجار و لكنّها تلك النّجمة البازغة في كبد السّماء .. نجمة أكبر من كلّ النّجمات " .

و لقد كان ذلك في العصر الّذي بدأتُ فيه التّخطيط من أجل أن أتعلّم الطّيران و أسافر صوب النّجوم حيث عثرتُ ذات يوم على أروع الحبيبات في تاريخ البشر .. نجمتي الأصفى و الأجمل ..حبيبة عمري : تلك الّتي إستولت عليّ إلى الأبد .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات