عند فوز زهران ممداني امس في الانتخابات التمهدية لرئاسة بلدية نيويورك، ركزت الصحف العربية ووسائل التواصل في اغلبها على امرين: اصوله المسلمة ومساندته للقضية الفلسطينية .
ولم ننتبه ، نظرا لانشغالنا الدائم بالسطحيات والاثارة ،الى الكتلة التاريخية التي هي بصدد التشكل في الولايات المتحدة الامريكية والتي قوامها شباب جامعي يتقد حيوية، مهتم بالعدل والعدالة في الداخل والخارج وطبقات شعبية سحقتها رأسمالية شجعة واقليات مقموعة واطياف مهمشة ، بدأت تتحسس (بل وتفرض) طريقا اخر بعيدا عن المؤسسات القديمة (Establishment ) التي قوامها المال الوفير والمراكز المهمة في الشركات الكبرى و كانت دائما تتحكم في مصير الانتخابات، وللتدليل على التغيير اريد ان اشير الى بعض النقاط التي اراها المهمة:
- زهران ممداني يمثل جيلا سياسيا جديدا ، فهو من مواليد 1991 ودخل عالم السياسة سنة 2020، يقدم نفسه على انه اشتراكي ديمقراطي..
- رغم انه من عائلة مسلمة الا انه ينتقد "أي دولة تطبق المواطنة على أساس الدين" لكنه يحترم الحريات الدينية وقد زار مرات عديدة المساجد وجلس مع المسلمين على مائدة الإفطار في رمضان ، كما التقي بأطياف دينية متعددة…
- كان قريبا جدا من الطبقة الوسطى والفقيرة، اغلب تبرعاته (75 بالمائة ) كانت اقل من 100 دولار ، للتبرع الواحد،
- ركّز حملته الانتخابية على مشاغل وهموم الطبقات الدنيا :تأمين الرعاية الشاملة للأطفال من ستة أسابيع الى خمس سنوات ، وتوفير الإيجارات السكنية باسعار معقولة وفرض ضرائب على الشركات الكبرى...قال خلال حملته : "لابد من حلّ لمدينة يعيش ربع سكانها في فقر وينام فيها 500 الف طفل جائعا كل ليلة"…
- ما كان ليفوز لولا تأييد واسع من التيار الديمقراطي الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي، وخاصة من السيناتور بيرني ساندرز Bernie Sanders والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيزAlexandria Ocasio Cortez
هل سينجح زهران ممداني في تحقيق أحلام جيله وفقراء نيويورك؟ مهما تكون النتائج النهائية، فان فوزه في الانتخابات التمهيدية والمظاهرات العارمة التي عرفتها الجامعات الامريكية وحالة الغضب من طبقة سياسية تاكلت وصدأـت داخل المجتمع ، كلها عوام تؤشر ان هناك واقعا سياسيا جديدا بصدد التشكل في الولايات المتحدة الامريكية .
ونحن ؟ لا ننا مشغولون بمعاركنا الأيديولوجية الطاحنة وتخفق قلوبنا الرهيفة لما يحققه الاخرون من انتصارات وهمية لقضايانا، فاننا لا ننتبه الى عمق ما يحدث في العالم ، بل حتى داخل بلدنا ،من تغييرات مهمة.