هل سيأخذ العرب جانب السوريين؟

المقصود بالعرب الحكومات العربية، أما السوريون فهم الذين في المخيمات والمهجرون في بلاد الله الضيقة، وطبعا هؤلاء الذين في سوريا الممزقة، يئنون تحت وطأة الغلاء وأزمة المواصلات، وعدم توافر الكهرباء، وندرة الحاجات الضرورية من الخبز والغاز والوقود، أي الأغلبية من السوريين، عدا أولئك الذين يتعيشون على أزماتهم. ويساومون على أرواحهم، وينتصرون على حساب نكباتهم.

من غرائب السياسة، إدراك الحكومات العربية أن كثيرا من مشكلاتها قابلة للحل من خلال الورقة السورية، ما يضع حداً للحرب السعودية اليمنية، ويوجد حلاً مع الحوثيين، أما الإمارات وعمان والبحرين فتتذرع بالوفاق العربي، هل له علاقة بإسرائيل؟ كذلك لا ندري لماذا تونس والجزائر جادتين في التطبيع، هل هناك قرابة بين الدكتاتوريات؟ بينما لبنان يمثله حزب الله، يتلقى التعليمات من إيران المتخفية، لكنها الأقوى ظهورا على الساحة، تلك التي تنجد الأسد وتقوده، فهما في قارب واحد. حسناً الكويت وقطر تعارضان، لكن إلى متى؟ كذلك تركيا تنتظر التدخل الروسي للضغط على الأسد الذي بات مستقويا بالعرب وإيران والكبتاغون.

طبعا هناك إصرار من الحكومات العربية على وحدة سوريا وضرورة عودتها إلى الصف العربي، إذ لا بد من إقناع السوريين بأنهم يقدمون لهم شيئا، وذلك بالتلويح بإعادة اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم، والإسهام بتمويل إعادة إسكانهم. والوعد بعدم المساءلة الأمنية، ما الضمانة؟ لا ضمانة. فالنظام ليس بحاجة لعودة أي سوري من الخارج، وفي حال عودته لا بديل عن التأكد من نظافته الأمنية.

هذا ما يعوض عن الحل السياسي، ولن يتم بسهولة لا بد من فكفكة التعقيدات التي برع النظام في اللعب عليها، إضافة إلى الحد من إضافة تفاصيل إلى التفاصيل، يدفع ثمنها الخليج لتمرير حل هزيل لن يرضي السوريين، فلماذا يعودون؟ من جانب آخر، هل تكف المعامل عن إنتاج الكبتاغون؟ إنه سلاح، كلما قصّر الخليج بالدفع، تعود المعامل إلى الإنتاج بكامل طاقتها، فالإنتاج الجزئي لن يتوقف.

يهدف التطبيع مع النظام السوري إلى إخراجه من العزلة إلى العالم، بوساطة من القطب الصيني الصاعد وتحت رعايته، بعد جهد مارسه في إحداث تقارب بين الأعداء اللدودين السعودية وإيران، فما جرى بينهما يتجاوز الخصومة. كان من ثماره الاقتراح العربي بإعادة نظام الأسد إلى الصف العربي والدولي، بموجب رغبة أغلبية عربية، وهي مواجهة إيران في سوريا وطردها منها. بافتراض وجود عسكريين عرب على الأرض السورية لتأمين عودة آمنة للاجئين، ما يمنع إيران من بسط نفوذها. لكن طموح العرب يتعدى هذا إلى منع إيران من إدارة الصراعات الإقليمية، إن لها شريكا لن يسمح لها بالسيطرة على مستقبل المنطقة. هل هذا ما تأمله السعودية من وراء الورقة السورية، فسوريا لم تعد إلا ورقة بيد الأشقاء العرب؟

اكتسبت إيران على مر السنين أكثر من ذراع استخدمت للتغلغل في المنطقة، قضية فلسطين والمقاومة، ما أدى إلى الاستيلاء على لبنان، وترسيخ النظام السوري بالرغم من جرائمه. فأصبحت لها الحصة الكبرى والتأثير القوي، وكان من أسلحتها على الأرض الميليشيات والجواسيس والمخدرات والاغتيالات.. إضافة إلى القوة الناعمة، بالتركيز على الخدمات الاجتماعية والثقافة ومساعدة المناطق المهمشة والتغلغل في الأرياف، تسترشد بإحياء المذهبية والمظلومية مترافقة بالثأر من التاريخ والأحياء، مع حركة تبشير دينية. فلم يكن بدعا القول إنها مسيطرة على قرارات أربع عواصم عربية.

هذه الإنجازات حققتها إيران بعد عقود، هل تتخلى عنها، ولقاء ماذا؟ يبدو كأن العرب سينزعون مخالبها لقاء لا شيء، سوى الاعتقاد بأنها تعاني أوضاعا اقتصادية سيئة في الداخل، لكن متى كان الملالي يهتمون بشعبهم، مثلما يناضلون في تغطية شعور النساء؟ لذلك يتبارى المعلقون في التعريف بالفوائد التي ستجنيها إيران من التطبيع مع العرب، مع أن الحكومات نفسها تعرف أنه لم يقدم لها في أفضل الأحوال سوى حكومة سورية، تبدو أقل تعاطفاً في العلن مع إيران، بينما في السر أشد تعاونا. ما زالت إيران ورقة النظام الرابحة.

يتذرع السعي إلى التطبيع مع الأسد، بدعوى أخلاقية وهي التخفيف من محنة الملايين من الأبرياء. بيد أن الأخلاق ليست من شواغل الأنظمة العربية، ما دام التفكير العربي في السياسة لا يزيد عن البقاء في الحكم رغما عن أنف الأخلاق. لو لم تكن كذلك لما كان مآل التطبيع إضفاء الشرعية على رئيس متهم بارتكاب جرائم حرب، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وتدمير بلد وتحويله إلى خراب، إلى حد باتت سوريا رهينة جيش التعفيش والأجهزة الأمنية والشبيحة ورجال أعمال مرتزقة، وبطانة تافهة من المثقفين العملاء. إن التطبيع مع الأسد، يعني تبرئته من قتل مئات آلاف السوريين، وما الجهود التي ستبذل لإخراجه من العزلة، سوى ترسيخ عزلة آلاف المعتقلين في السجون. أما الوطن الكبير فلم يعد سجنا، بات طاردا للسوريين ويحولهم إلى لاجئين.

لنتذكر أن في توحد العرب القدرة على فعل الكثير، لكن ماذا كان هذا الكثير؟ في بداية الانتفاضة كان توحدهم على مساعدة الثورة أن قضوا عليها بشرذمتها، واليوم لن يكون توحدهم إلا لمساعدة النظام، ليتهم يفكرون في هذا الشعب الذي يعيش الهوان، مع أنه يستحق شيئا غير هؤلاء المجرمين الذين يتحكمون بمصيره، كما يستحق عربا أشقاء فعلا. ومهما قيل، لم تكن سوريا لشعبها فقط، كانت دائما للعرب جميعا، وما زالت.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات