ولادة عصر عربي جديد

كأن ما نحن عالقون فيه، هو من سخريات العناوين والأسماء والألقاب والرموز، وما تشكله من إسفاف، لكن يبقى أكثرها فجاجة ووقاحة، أن يصبح نظام الحكم في بلد جمهوري، ملكياً بعد انقلاب عسكري، كما في بلدنا الذي ما زلنا نطلق عليه “الجمهورية العربية السورية”، بينما الجميع يعرفون، ويتظاهرون بأنهم لا يعرفون، مع أن الضابط الانقلابي أفصح بعد عدة عقود عن أن الدولة أصبحت بالفعل ملكية وراثية، تتميز بأنها استبدادية، وعلى الرغم من هذا الاعتراف، احتُفظ بجمهورية الدولة، ريثما تسنح الظروف لتأخذ الشكل الملكي الرسمي. وهو أمر لا ينبغي التوقف عنده طويلاً، طالما يحدث في العالم، خاصة هناك بلدان سبقت نظامنا إلى الاحتيال على شعوبها بالتوريث، مثل كوريا الشمالية، زادت على اعتماد توريث الدولة بالديمقراطية، فأصبحت وما زالت “جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية” فعدا أنها لا تعترف بوجود كوريا الجنوبية، ما أبعد الديمقراطية عنها، حتى أن نظامها الدكتاتوري لا شبيه له، وطبعا مشكوكاً بشعبيته، فهو لا يخدم مصالح شعبه.

يعتبر النظام الدكتاتوري في سوريا، الأرض والشعب ملكاً له، يتصرف بهما كما بشاء، والمثال كان حاضراً في الثورة والحرب السوريتين، أعطى لنفسه الصلاحية لتدمير لا أقل من نصف البلد. أما بالنسبة للسكان، فجند الناس لحمايته رغماً عنهم بالوعيد والوعود، وزرع الخوف في النفوس، وكانوا وقود حرب أهلية. أدت إلى نزوح الأهالي وتهجيرهم بالملايين، كما قتل واعتقل وسجن مئات الالاف، إضافة إلى ذلك الثقب الأسود الذي ابتلع آلاف الضحايا في المعتقلات والبحار ومسالك المنافي. وهكذا فقد من فقد ومات من مات.

هذا النمط من الأنظمة، يخول بلدانا مثل كوبا وفنزويلا والصين وروسيا، استباحة شعوبها، وفي الوقت نفسه الادعاء بديمقراطية فريدة من نوعها أسوة بالديمقراطية السورية المتجلية في مجلس للشعب بلا شعب، وصناديق الانتخاب المزورة، والصحافة المحرومة من التعبير عما آلت إليه البلاد.

قد يرى البعض، في النظام السوري الذي يخطو على هدى النظام الكوري، أنه أكثر دبلوماسية، وأقل عجرفة من الأنظمة الشبيهة به، لكن لا بد من ملاحظة، أن النظام الكوري أكثر عجرفة، لكنه أقل نهباً، وإن تساويا من ناحية القسوة. لا يتميز أحدهما عن الآخر في القتل، لكن يختلفان في حجم القمع، في مواجهة المظاهرات والاحتجاجات، فالسوري يستخدم الدبابات والطائرات، بينما المتوقع من الكوري ألا يكتفي بهما، فقد يضرب المنتفضين بالنووي، وهذا لتوافره، ولم يقل النظام السوري عنه، ولو لم يتوافر النووي، فلم يقصر بقصف الأهالي بالكيماوي. وإذا كان الدكتاتور السوري قد أنكر، بينما الطاغية الشمالي سيفتخر، وهذا لا علاقة له بالجبن أو الشجاعة، وإنما كما يدعي كلاهما بمحبة الشعب لهما، وهو ما يتجلى لدى ظهور الرئيس الكوري بين جمع غفير من النساء يشرقن بدموعهن لمجرد رؤيته. أما السوري، فلا تقل سعادة الجماهير به عن إطلاق موجة من العراضات على وقع رقصة الدبكة.

من جانب آخر، إذا كان النظام السوري قد ابتدع الشبيحة، فلا ندري ما الذي ابتدعه النظام الكوري، ربما شيء ما على هذا النمط، سواء كان أقل أو أكثر إجراماً… فلا يهم. لدى الدكتاتوريات أساليبها، ما دام أنها لا تخضع للمساءلة.

وقد كان لخطوة الحكومات العربية في التطبيع مع النظام اعتراف بالجمهورية الملكية، واحترام سيادتها فوق أراضيها ما يخولها التصرف غير المقيد بحياة رعاياها أو موتهم، بل وطردهم خارج البلاد، ومنعهم من العودة، وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم، وقصفهم بالكيماوي، وتوجيه الاقتصاد نحو تصنيع الكبتاغون وتصديره.

لم تتوصل الدول العربية لهذا القرار إلا بعد الأخذ بالاعتبار تعقد الصراعات الداخلية والخارجية، وعدم التورط فيها، مع تجنب الحسابات الأخلاقية لعدم جدواها، هذا ما تمليه الواقعية السياسية، التضحية بالبشر من أجل العمل على ازدهار المنطقة العربية، والواضح أن النظام السوري أدى ما عليه من مسؤوليات من قتل وتدمير وتشريد وتهجير، بالتالي ستشهد الشعوب العربية ولادة عصر جديد باستعادته إلى الصف العربي.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات