قضاء مُروَّع قضاء مُطوَّع

القضاء هو الخاصرة الهشة التي علقت عليها كل الأزمات. ففي مشروع الإصلاح الشامل للرئيس، "التطهير " لا يشمل الا القضاء. فليس هناك جهاز يتطلب الإصلاح غير القضاء لا الجهاز الأمني ولا الإداري ولا غيرهما من اجهزة الدولة.

رئيس الجمهورية منفردا يتحول إلى مجلس تأديب القضاة فيما لم تعرفه الدول والأنظمة قاطبة. فلا اطلاع و لا دفاع ولا مواجهة وحدها الكلمة الرئاسية والحكم الرئاسي يفصلان ويجزمان عبر التلفزة. والجريمة تقال والمؤاخذة تبدأ بعد اتخاذ قرار الإعفاء لا قبله.

فرئيس الجمهورية يعلن ان قرار العزل اتخذ ثم يتداول مع المجلس الوزاري في المرسوم عدد 35 الذي نقح المرسوم عدد 11 للمجلس الأعلى ليستعرض التهم والمؤاخذات الفضفاضة والاعتباطية التي على أساسها اتخذ قرار العزل. ولا يفرز التونسي من من القضاة من فعل كذا او لم يفعل وهكذا يصبح كل قاض متهم بالقوة بالفساد والرشوة والعربدة والزنا (حسب توصيف الرئيس) وكل ما يمكن ان يرتكبه القاضي من تجاوزات تتعارض مع شرف المهنة. الكل في سلة واحدة ولا فرق بين هذا وذاك.

لم ننكر أبدا وجود فساد في القضاء، ولكن هل أصلحت الإعفاءات الأحادية يوما القضاء؟ قطعا لا وهل يتحقق الاصلاح بهذا الكم الهائل من خرق القانون والانحراف بالتشريع.

القضاة اليوم يعملون تحت زناد إعفاءات الرئيس في حالة التأكد و بتهمة المساس بالأمن العام و بذريعة حماية المصلحة العليا للبلاد وبناء على التقارير الأمنية وعند ارتكاب القاضي ما من شانه ان يمس من القضاء واستقلاليته او حسن سيره وكلها مفاهيم فضفاضة مخيفة يحددها رئيس الجمهورية. هكذا وباختصار اضحى القضاة يعملون تحت قصف الاعفاءات لتحقيق حسن سير القضاء طبق توجيهات الرئيس وطبق الإحالات التلفزية والمحاكمات الإعلامية التي يقيمها وطلبات وزيرة العدل.

هي اعفاءات غير قابلة للطعن. فالعزل الذي هو اعدام مهني واجتماعي للقاضي بفداحة حكم الاعدام لا حق للقاضي معه في الطعن ولا في الدفاع عن نفسه هو حكم بالإعدام دون استئناف ولا تعقيب حكم بات ونهائي ولا تعقيب عليه.

بل ان المرسوم 35 اقر مبدأ الاحالة الوجوبية للقضاة المعفيين على التتبع الجزائي في إلغاء تام لدور النيابة العمومية في تكييف التهم وهو ما ينذر بجاهزيتها مسبقا خاصة لمن تمسك باستقلالية وحيادية قراره القضائي على الإحالات والمحاكمات المتلفزة لرئيس الجمهورية ولمن مارس حرية وواجب التعبير من القضاة ضد كل خروقات الرئيس لمبادىء استقلال والتفريق بين السلط وأسس دولة القانون.

عاش "الاصلاح" و"عاشت" "الاستقلالية" و"النزاهة". توضحت الصورة الآن اكثر فأكثر. فالهدف قضاء مروع ( بفتح الواو ) قضاء مطوع للاستحقاقات السياسية القادمة.

مبروك للمصفقين للإطاحة بالوضع الدستوري للقضاء وبالمجلس الأعلى للقضاء. لكن تذكروا أن هذا لن يكون بدون ثمن ان عاجلا او اجلا . فالحاضر والتاريخ لا يسيران ابدا على وتيرة واحدة وفي خط مستقيم، بل هو تعرجات وستلحق لعنة تحطيم النظام الدستوري و الوضع الدستوري للقضاء المستقل كل من تورط وفرط.

هذا القضاء المطوع سيكون لعنة تلحق الجميع وسيفا مسلطا على رقاب الجميع ومنهم اولئك الذي اعتقدوا انهم غير معنيين بما يحيق بغريهم.. فخلاف المثل الفرنسي الشهير "Cela n'arrive pas qu'aux autres"

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات