"حاكم غير ديمقراطي" في عاصمة أوروبا الديمقراطية!؟

قلت دائما وأكرّر باستمرار أن الحاكم "غير الديمقراطي" هو حاكم "ضعيف" في مواجهة الخارج، وقد أثبتت زيارة الأخ الرئيس المفدّى قيس سعيّد إلى بروكسيل بعد اعتكاف دام سبعة أشهر هذا التقدير...ففي جلساته الثنائية مع زملائه الأفارقة اضطر الى الاستنجاد بتأييدهم الممكن لإجراءات 25 جويلية الاستثنائية، وما كان مضطرا لذلك لو لم يتخذ هذه الإجراءات الانقلابية،

وأما مع نظرائه الأوربيين فقد اضطر دائما الى التبرير والى طمأنتهم على الحقوق والحرّيات والديمقراطية أو إلى تصعيد كلامي (على الطريقة القذافية) لا ينسجم مع إمكانيات بلادنا ومصالحها العليا، دون أي حديث جدي عن التعاون الثنائي، وما كان ايضا مضطرا لذلك فقد كان أسلافه رؤساء تونس ما بعد الثورة محلّ تبجيل وحفاوة واحترام لأنهم كانوا "حكّاماً ديمقراطيين" بل هم "الحكّام الديمقراطيون الوحيدون" في منطقتهم وكانوا رمزا لهذا النموذج المحتذى..

ما كان هؤلاء يحرجون أمام كاميرات العالم في مداخل المباني الرسمية الأوربية ومخارجها، بجحافل مواطنيهم يرفعون شعارات التنديد ولوحات تدين "الديكتاتور" أو "شبه الديكتاتور"..كنّا نتمنى لو حافظ الرجل لتونس على "صورة الحاكم الديمقراطي" وذهب إلى بروكسيل قويًّا باحترامه لمؤسسات النظام الديمقراطي، والانتخابات الديمقراطية التي اوصلته الى قرطاج، حتّى لو كانت الأوضاع الاقتصادية والمالية لبلده صعبة..

ويخطئ كلّ من يظنّ أن الأوربيين أو الأمريكان يمكنهم حقّاً احترام حاكم منقلب على الديمقراطية.. أو يمكن أن تنطلي عليهم قصص "أفكار جديدة" و"انقاذ الدولة التونسية" و"اشراك المجتمع المدني في الحكم"..فهذه القصص حتى على التونسيين - إِلَّا الهتّيفة منهم- لا تنطلي، فما بالك انطلاؤها على رئيس حكومة اسبانيا التي عانت من حكم فرانكو الفاشي أربعين عاما، أو مستشار النمسا التي ذاقت الذل على ايدي حكم هتلر النازي..

بل انني أشك - وليعذرني الاخ الرئيس المفدى- في تأييد رئيس النيجر بازوم لإجراءاته الانقلابية، وهو الذي كاد ان يطيح به انقلاب عسكري السنة الماضية فيما هو المناضل المدني الذي وصل الى الحكم بالديمقراطية في بلد عانى منذ استقلاله من تسع انقلابات عسكرية..

أما نظرات ماكرون الولهانة فمشكوك في امرها، بالنظر إلى اصرار فرنسا فيما يبدو على منح الاولوية لماضيها الكولونيالي على حساب التزاماتها الديمقراطية المستوجبة، وهذه قصة أخرى من باب أولى تركها لقيادات "السترات الصفراء" لروايتها..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات