الشهادة في حق بشير االعكرمي!

بعد ان هدأت العاصفة التى شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي خلال الايام الفارطة بخصوص قرار المجلس الاعلى للقضاء العدلي المتعلق بوكيل جمهورية المحكمة الابتدائية بتونس الاسبق القاضي البشير العكرمي. اردت كتابة هذه الاسطر في شكل شهادة من محامي مباشر للمهنة منذ 11سنة يحسب بكل تواضع ان له خبرة بسيطة في فهم قواعد القانون الجزائي واجراءاته ويزعم انه متتبع للشأن القضائي والتجاذبات التي يعيشها.

كان بالإمكان الصمت ومجاراة ما يحدث من فوق الربوة مثلما خيّر عديد الفاعلين المؤثرين الجلوس ومشاهدة ومراقبة تطور الاحداث دون ان يكون لهم رأي خاصة في ظل ما تعيشه البلاد من ازمة سياسية وصراع شديد بين نخبته كانت سببا في نكبة و تعاسة الشعب الذي فقَد الامل في الاصلاح والتغيير الجذري لواقعه الاليم .

الخطير ان الصراع انتقل الى مرفأ السلطة القضائية التي اصبحت مستهدفة من جميع الطبقة السياسية دون استثناء و التي يريد كل طيف منها ان يكون له يد موطئ قدم داخلها . لكن هذا لا يمنع من ابداء موقف من قضية معينة قد لا يكون لهذا الرأي الشخصي اي تأثير، بل نقل لوقائع عن تجربة شخصية عشتها واترك للقارئ الحكم عليها وتقييمها .

اخترت ان اكون وفيا لقناعاتي موضوعيا في نقل شهادتي رغم عداوة بعض القضاة لي وتسلطهم وظلمهم الذي طال عديد الزملاء المحامين وكذلك المواطنين على حد سواء. شهادتي تمتد وتعود تقريبا الى فترة العشرية الفارطة التي كانت حبلى بالأحداث الكبرى التي عاشتها تونس.

اعود بالذاكرة لأول لقاء كان لي مع قاضي التحقيق الاول بالمكتب الثالث عشر بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي سنة 2013 من خلال نيابتي امامه في ملفات تحقيقة تم تكليفي بها تعرفت عليه و ترافعت في مجموعة من الملفات التحقيقية المختلفة من حيث الوقائع والمتهمين و التي تعهد بالبحث فيها سواء تعلقت مواضيعها بجرائم الحق العام او قضايا الإرهاب.

البشير العكرمي قاضي التحقيق كانت له طريقة اعتبرها متميزة مقارنة بباقي زملاءه في الاستنطاق كانت أسئلته تتراوح بين موازنة ادلة البراءة والادانة على حد سواء في اي ملف يعرض عليه ونستشف ذلك عند تحييثه لمحضر الاستنطاق الذي قد يدوم لخمس وست ساعات متتالية اذا ما كان الملف والوقائع به من الحجم الثقيل .

وقد كان يتعمد التركيز على مواجهة المتهم الماثل امامه بالمعطيات الفنية العلمية التي لا يرقي اليها الشك و التي توصل اليها باحث البداية خلال فترة الاحتفاظ . وكان يركز على اجابة المتهم بخصوص تلك المعطيات التي على ضوءها يتخذ قرار الايداع بالسجن او ابقاء المتهم بحالة سراح .

و يستبعد في كثير من الاحيان تلك التصريحات التي تتكرر في كل محاضر باحث البداية خاصة اذا ما تفطن انها كانت نتيجة الاكراه المادي وهذه حقيقة اشهد بها فقد كانت له الشجاعة في معاينة اثار العنف المتسلط على اجساد المتهمين ووصفه بكل دقة صلب تلك المحاضر المحررة على خلاف غيره من قضاة التحقيق الذي يطلب من الدفاع تقديم شكاية مستقلة للنيابة بخصوص تلك الاثار ويرفض تضمينها بمحضر الاستنطاق.

يشتد النقاش احيانا بيننا بخصوص نقطة إجرائية تكون محل خلاف او اجراء لم يستجب له في اطار اجتهاده ويحتد الى درجة كبيرة في اطار دفاعي عن منوبي وينتهي كل ذلك بمجرد الامضاء على محضر الاستنطاق واتخاذ قراره .

وكان يلاحظ لي وانا وقتها في سنواتي الاولى بالمحاماة ان حماستي في الدفاع وتمسكي بنصوص مجلة الاجراءات الجزائية هي ميزة تجعل للمحامي دور مهم في المحاكمات الجزائية وتساهم في التأثير على وجدان القاضي الجزائي .

الى أن جاء ذلك التاريخ ......

السادس من شهر فيفري سنة الفين وثلاثة عشر هذا التاريخ مثّل زلزالا حقيقيا اهتزت له تونس بأكملها من جنوبها الى شمالها وحبست الانفاس ببلادنا لأيام عدّة . تاريخ حاسم في بلد يعيش ثورة حقيقة مازال يتلمس خطاه الاولى بعد سقوط النظام البوليسي الديكتاتوري الذي كان يرزخ تحته ابناء هذا الشعب وشهد الكل بفظاعة ما ارتكبه من جرائم طيلة عقود في كل المجالات وكان وقتها القضاء يلعب دور العصى الغليظة التي ركع بها بن علي خصومه ، هذا التاريخ هو تاريخ استشهاد الزميل المحامي الألمعي المعارض شكري بلعيد . احد ابرز رموز وزعماء اليسار التونسي و الذي كان موقدا لجذوة الثورة صحبة رفاقه واخوته بحاضرة باب بنات في ملحمة 17ديسمبر 14 جانفي بخطاباته الحماسية التي تبعث في النفوس الحاضرة قوة لا يمكن وصفها .

توضيح خارج النص : لمن لا يعرف الأستاذ شكري بلعيد هو صديق عزيز منذ ان كنت طالبا بكلية الحقوق بتونس سنة 2006/2007 تعرفت عليه في اطار تكليفه بالدفاع عن اصدقاء وهم طلبة بالجامعة موقوفين تمت محاكمتهم من اجل الانتماء الى جمعية غير مرخص لها واستبسل في الدفاع عنهم كنت حاضرا لعديد المرافعات التي تكتب بماء الذهب وانقذهم وقتها بصدور احكام مخففة بالسجن و احد هؤلاء الطلبة تحصل على دكتوراه دولة في الفيزياء وهو اليوم استاذ جامعي بأحد كليات الساحل بامكانه تقديم شهادته لأنه سيطلع على هذه التدوينة . وبعد التحاقي بالمحاماة جمعتنا مواقف عدة يعرفها الاصدقاء المقربون ليس المجال لذكرها او التفاخر بها واحتفظ بها لنفسي في ظل ما اشاهده من كذب ومغالطة البعض الذي كان شكري يمثل لهم عدوا و شوكة في خصر نظامهم امعنوا في تعذيبه والتضييق عليه والاساءة اليه بترويج الاشاعات ضده اصبحوا بقدرة قادر اليوم رفيقا لهم زمن الاستبداد.

6 فيفري2013 تاريخ اغتيال الشهيد شكري بلعيد امام منزله بطريقة لم تشهدها تونس لعقود ذكرتنا باغتيال اليد الحمراء للشهيد فرحات حشاد بنفس الطريقة تقريبا. بعد ساعات الصدمة الاولى عند تناقل الخبر تحركت النيابة العمومية وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس طارق شكيوة اذن بفتح بحث تحقيقي وتم تعهيد البشير العكرمي كقاضي تحقيق وقتها للبحث ....

كنت شاهدا على تلك الفترة وما شهدها الملف من تجاذبات بين زملائي بهيئة الدفاع عن الشهيد سواء داخل لجنة الدفاع واختلاف الاجتهادات خاصة من طرف المرحوم فوزي بن مراد و مع قاضي التحقيق المتعهد بالملف من جهة ثانية .

حضرت اول اجتماع تنسيقي لهيئة الدفاع بدار المحامي وكان التواجد لعدة زملاء من تيارات فكرية مختلفة مستعدة لكي تنظم لهيئة الدفاع. تعمدت الاستاذة الخلفاوي بعدها اقصاء عديد الزملاء الذين ترى انهم يحملون فكرا مخالف لها، بل تعمدت حتى التطاول على رفاق الشهيد . خيرت الانسحاب بألم شديد و في صمت.

ولهذه الاسباب لن اتناول في هذه الشهادة ما يتعلق بملف شهيد المحاماة والوطن شكري بلعيد لأنني غير مطلع على جميع المعطيات بالملف.

شهادتي هذه ستكون بخصوص الملفات التي توليت النيابة بها وازعم اننى ملم بأدق تفاصيلها وهي ملفات باردو ونزل الامبريال سوسة و ملف الضابط الواشي الذي اطاح زورا بمدير المخابرات عماد عاشور وصابر العجيلي و ملف المنيهلة وملف ادارة العمليات الفنية المتعلق بالتنصت .

هذه الملفات الاربعة مطلع على كل تفاصيلها وسأنقل ما حدث بكل موضوعية ومن سيستفسر على اي نقطة سأجيبه بالمؤيدات والحجج ولو كانت ذا طابع سري سأنشرها حتى يعلم الجميع الحقيقة كاملة .

ملفات كبرى هزت الراي العام وبقيت حديث الاعلاميين لأشهر وقتها كان للنيابة العمومية دور مهم سواء في فترة تولي القاضي كمال بربوش وكالة الجمهورية بحاضرة باب بنات او البشير العكرمي الذي تم تعيينه خلفا له من طرف الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي خلال صائفة 2016.

اولا :ملف العملية الارهابية التي هزت متحف باردو ونزل الامبريال سوسة

تعهد البشير العكرمي قاضي التحقيق الاول بالمكتب الثالث عشر بملف احداث متحف باردو وهي من اكبر العمليات الارهابية التي شهدتها تونس خلال شهر مارس 2015 حيث وقع استهداف متحف باردو من طرف عنصرين ارهابيين مسلحين اسفر الهجوم عن قتل حوالي 21سائح اغلبيتهم من الجنسية الفرنسية .

اتذكر جيدا الندوة الصحفية التي عقدها وزير الداخلية ناجم الغرسلي التي اعلن فيها عن ايقاف جميع المتورطين في العملية وتقديم اعترافاتهم ونشر صورهم التي تداولتها كل وسائل الاعلام العالمية والوطنية وتم وقتها شكر فرقة الارهاب بالقرجاني على حرفيتهم وسرعتهم في ايقاف المخططين لها وتنقل الوزير لمقر الوحدة لشكرهم والثناء عليهم لسرعة إماطة اللثام عن منفذي العملية .

عند تعهد قاضي التحقيق بالملف تفطن الى ان الروايات التي تضمنها استنطاق المتهمين متضاربة لا يمكن تأسيس وجدان عليها لتنهض سندا جديا لإدانتهم . وقد لاحظ ان اثار التعذيب الذي تسلط على اجسادهم رهيب . عاين الاثار بكل دقة ورفع تقرير اعلام للنيابة العمومية بخصوص تلك التجاوزات وكيل الجمهورية القاضي الفاضل كمال بربوش الذي اذن بفتح بحث تحقيقي في تلك التجاوزات .

من سوء حظي او من حسنه لا اعرف ذلك الى اليوم اننى نبت احد الاطراف التي اتهمت بالتخطيط والمشاركة في العملية تعرض منوبي الحسين ض الى عملية تعذيب وحشي ونسبة سقوط بدني قاربت 35بالمائة . وعند زيارتي له بالسجن روى لي ما حدث تفصيلا وكيف تم اقحامه في الملف وتعذيبه بطريقة وحشية .

تقدمت بشكاية في الغرض وكان نفس موقف عديد الزملاء النائبين في الملف فقد قدموا شكايات في التعذيب الذي ثبت بنتائج تقارير اختبارات طبية لو تنشر للعموم لصدموا من فداحة ما تضمنته ولن انسى ذلك التصريح الشهير للقاضي احمد الرحموني (((لقد سلخوهم سلخا))…

عندها اتخذ قاضي التحقيق البشير العكرمي قرار شجاع يحسب له لان اثاره ونتائجه كانت كبيرة سأتعرض اليها لاحقا . القرار هو سحب الانابة القضائية من فرقة مكافحة الارهاب بالقرجاني المتعهدة بالبحث وتكليف وحدة مكافحة الارهاب بالحرس الوطني بالعوينة لمواصلة البحث واعادة سماع جميع الاطراف لتكون الصدمة .

فبعد اعادة الابحاث تبين ان الاختبارات الفنية تم تدليسها من فرقة بالقرجاني وتم الكشف عن العناصر الحقيقية المتورطة التي خططت للعملية وثبت ذلك بمعطيات فنية علمية دقيقة بنتائج تساخير على هواتفهم الجوالة وتحديد مكان تواجدهم واتصالاتهم زمن الواقعة وبالرجوع كذلك الى كاميرات المراقبة . ليثبت بما لا يدعو مجال للشك ان من تم تقديمهم في تلك الندوة الصحفية لا علاقة لهم مطلقا بالهجوم الارهابي على متحف باردو .

وليقع اماطة اللثام عن منفذي العملية والقاء القبض عليهم من طرف الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الارهاب بالعوينة وليقع الكشف عن علاقة منفذ عملية نزل الامبريال وعلاقته بمنفذي متحف باردو واستعمالهم لتقنية الجابيكس التي وثقت جميع المحادثات بين اعضاء تلك الخلية الارهابية وتنسيقهم فيما بينهم للقيام بعدة عمليات ارهابية ومن الطرائف في الملف انهم في احدى محادثاتهم كانوا يستهزؤون بوزير الداخلية عند اعلانه القبض عن المتورطين والحال انه لم يقع وقتها الاطاحة باي عنصر من عناصر هذه الخلية ويتبادلون التهاني فيما بينهم .

هذا وقع توثيقه في معاينة باحث البداية لهاتف احد المتهمين الذين اوقفتهم قوات مكافحة الارهاب بالعوينة .

اتذكر وقتها دور النقابات الامنية التي تحالفت مع بعض التيارات السياسية في اوج الاستقطاب الثنائي لسنوات 2014 و 2015و قد قامت بحملة شعواء على القضاء بعد ان اتخذ قاضي التحقيق 13 قرار بإطلاق سراح جميع الموقوفين في ملف باردو الذين اوقفتهم وحدة القرجاني و الذين تم تقديمهم كقرابين والترويج ضد قاضي التحقيق والنيابة وقتها بكونهم متواطئون مع الارهاب وان القضاة هم الذين يطلقون سراح المشتبه بهم . عبارة احنا نشدو وهوما يسيبو .

اليقين والحقيقة كانت مضمنة صلب نتيجة الابحاث بالإنابة القضائية المتعهدة بها الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الارهاب بالحرس الوطني بالعوينة . فقد تمكنت من ايقاف العناصر المنفذة لعملية باردو وارتباطهم الوثيق بالتخطيط لعملية نزل الامبريال بسوسة التي تعهد بها قاضي التحقيق بالمكتب 13 وتمكنت الوحدة المختصة من كشف العناصر المنفذة والمخططة للعملية وايقافهم .

اتخذ قاضي التحقيق قرار ختم بحث تم تأييده اتهاما وتعقيبا و احيلوا على الدائرة الجنائية المختصة ومحاكمتهم ابتدائيا واستئنافيا. قاضي التحقيق بالمكتب 13 البشير العكرمي يحسب له بكونه كان شجاعا ولم يرضخ لهرسلة النقابات الامنية ولا لبياناتهم التصعيدية، بل كان سببا في انقاذ حوالي 12 مواطن تونسي بريء من حبل المشنقة بعد ان تعرضوا الى تعذيب وحشي فظيع . ويذهب مباشرة الى تتبع من نفذّ بفضل مجهود خرافي قامت به وحدة الحرس الوطني لمكافحة الارهاب .

وقد وقع ادانة المتهمين من طرف الدائرة الجنائية الخامسة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب و الدائرة الجنائية 27 الاستئنافية وقد تم الحكم على بعض افراد هذه الخلية بالإعدام و السجن المؤبد وفيهم من تسلطت عليه عشرات السنوات من السجن النافذ .

هذا هو بشير العكرمي الذي قد نختلف معه. لكن ما يحسب له وقتها انه بقي صامدا في وجه النقابات الامنية المنفلتة التي استباحت كل شيء فلو كان قاضيا ضعيف الشخصية كحال الاغلبية التي كانت تخشى عون في اسفل السلم فما بالك بالنقابات الامنية المتمترسة والمتغطرسة والتي تجد دعما سياسيا لصادق قاضي التحقيق على تلك المحاضر المدلسة المحررة من طرف وحدة القرجاني ولكان محل تأييد وشكر من تلك النقابات.

هذا الملف شهد معركة كسر عظام حقيقية بين جهاز النيابة العمومية ووزارة الداخلية حيث تم :

تتبع الكوادر الامنية المتورطة في التعذيب والتدليس لمحاضر رسمية .

تقدمت بشكاية جزائية في حق منوبي الحسين ض الذي تعرض الى ابشع انواع التعذيب النفسي والجسدي وهذا الملف بالذات خضت فيه معركة تعتبر الاهم خلال مسيرتي المهنية كيف لا لأول مرة بعد الثورة يقع فتح بحث تحقيقي ضد القيادات الامنية المتورطة في الفضيحة منهم كاتب دولة مكلف بالشؤون الامنية والمسؤول الاول عن وحدة الارهاب بالقرجاني رفيق الشلي.

كذلك الدور الكارثي الذي لعبه المتفقد العام بوزارة الداخلية توفيق بوعون بالتستر على المحاضر العدلية واخفاقها . ومدير وحدة القرجاني محمد الخريجي . ومدير ادارة مكافحة الارهاب سامي واز . وثلاث ضباط اخرين. وقع فتح بحث تحقيقي ضدهم .

عندها ثارت النقابات وهددت القضاء بردة فعل اذا تم ايقاف الذين عذبوا ودلسوا تلك المحاضر . وجدت نفسى في مرمى نيران هؤلاء السبعة الكبار الذي كان لهم نفوذ كبير وللأسف الشديد رغم حجم هذا الملف واثاره وتقدم الابحاث فيه لزال احد قضاة التحقيق المتعهد به خائفا مترددا في اتخاذ قرار ختم بحث رغم ثبوت كل الافعال ضدهم .

ملف عملية المنيهلة الارهابية

المطلع الجيد على ملف عملية المنيهلة الارهابية يتبين ان وكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب ومساعديه تعاملوا مع الملف بحرفية كبيرة فهذا الملف ليس من الملفات العادية فهو يمس من امن الدولة واجهزتها كيف لا والملف يخفي في طياته جريمة دولة مكتملة الاركان فقد تمت تصفية مواطنيين تونسيين عُزِل خارج القانون وقتلهما بدم بارد في مسرحية واخراج هيولودى ضخم تم كشف فصولها من طرف ضباط وطنيون رفضوا التورط في مثل هذه الاعمال الدموية الخارجة عن القانون واعلموا النيابة العمومية بذلك .

النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب رفضت الابتزاز الذي تسلط عليها من طرف منظومة لطفي براهم التى تشكلت وقتها زمن حكومة يوسف الشاهد وارادت تطويع القضاء وارجاعه لبيت الطاعة بالبناية الرمادية بشارع الحبيب بورقيبة فقد تم تجنيد فتاة قاصر من طرف احد منتسبي النقابات الامنية للإطاحة بأحد مساعدي وكيل الجمهورية وتصويره في وضع مخل و وتم ابتزاز النيابة بهذا الملف لكي لا يقع تحريك الدعوى العمومية والبحث بخصوص احداث المنيهلة فالوضع على غاية من التعقيد وكل اجراء سيتخذ له تبعات كبرى .

خاصة وان الاتهام كان موجها لعضو حكومة مباشر لمهامه على رأس وزارة سيادية وهو وزير الداخلية لطفي براهم رأسا الذي كان آمرًا للحرس الوطني ومشرفا على عملية المنيهلة بنفسه رفقة مدير ادارة الاستعلامات بالحرس الوطني بالعوينة واصابع الاتهام متوجه لبعض القيادات التى لها باع في مواجهة الارهاب وخاصة ضباط الوحدة المختصة بالحرس الوطني ببير بورقبة والتى تحصلت على ترتيب عالمي مشرف في مجال مكافحة الارهاب وقدمت الكثير للبلاد وسقط شهداء من خيرة ابناءها في ساحات المعارك.

ليس بالأمر الهين والسهل ان تتم ملاحقة مسؤولين في هذا المستوى في ظل ما تشهده البلاد من ضعف على مستويات عدة واي قرار متسرع ستكون له عواقب وخيمة . كنت متابعا للملف بكل تفاصيله باعتباري كنت قد تقدمت بشكاية جزائية في القتل العمد ضد وزير الداخلية وكل من سيقع الكشف عنه وذلك في حق ورثة احد الذين قاموا بتصفيتهم .

فقد وقع تكليفي من والده الذي مازال تحت وقع الصدمة الى اليوم بخصوص ما تعرض اليه ابنه وكل أمله ان يقع كشف الحقيقة وان ابنه تم استدراجه وقتله من طرف اجهزة الدولة خارج القانون ويثبت ان ابنه لم يشارك في اي عملية ارهابية تستهدف امن التونسيين حتى لا يقع وصمهم بالإرهاب .

تفكيك تلك المنظومة التي ارادت استنساخ العشرية السوداء التى عاشتها الشقيقة الجزائر بتونس كانت على مراحل وهذا يحسب لوكيل الجمهورية البشير العكرمي الذي مهما كان اختلافنا معه فأن هذا لا يمنع من اعطاء الرجل حقه بانه تصدى لتلك المنظومة التى تشكلت وقامت بأعمال قتل وتصفية خارج اطر القانون بل مارست عليه كل اشكال التشويه الذي استهدف حتى عائلته .

فقد استدعى وكيل الجمهورية على مراحل قيادات ذات رتب عليا وتم التحرير عليهم من طرفه وتمكن من فك شفرة الملف فالقيادات الامنية اعطت صلب محاضر سماعها بكل دقة جميع الجوانب والتفاصيل بخصوص التخطيط للعملية ومن تولى المشاركة فيها و تنفيذها .

و تعرض الدفاع كذلك لتهديدات تم توثيقها وقتها لأنني كنت قد تقدمت بشكاية جزائية في حق ورثة نجيب المنصوري الذي وقع تصفيته خارج القانون والذي ليست له اي علاقة بالإرهاب ولو تم ايقافه حي وتمت احالته على القضاء لقضي في حقه بعدم سماع الدعوى كحال اغلبية من تم ايقافهم في ملف المنيهلة او نال حكما بالسجن وعاد لتربية ابناءه القصر.

وتمسكت وقتها في شكايتى بتتبع من قام بهذه الجريمة النكراء التي لها اثار كبيرة وقتها رغم محاولات الاستمالة التي حاول البعض استعمالها للتخلي عن نيابتي في الملف لست بطولة ادعيها لكن في هذا الملف بالذات عرفت معنى الدولة العميقة التى يخشاها الجميع .

أذِن وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي بفتح بحث تحقيقي وتم تعهيد عميد قضاة التحقيق وتم ذلك بعد استكمال الابحاث الاولية التي قامت بها الوحدة الامنية المختصة بالبحث والتي تولت سماع حوالي 25 امنى مشارك في العملية وبعد اجراءها لاختبارات فنية بالتنسيق مع الادارة العامة للمصالح الفنية بوزارة الداخلية وحصولها على نتائج التساخير الفنية .

ملف الضابط الأمني الملقب بالواشي ب مدير المخابرات عماد عاشور ومدير وحدة الارهاب بالقرجاني صابر العجيلي .

كان هذا الملف بمثابة الاختبار الحقيقي بعد الثورة للقطع مع قضاء التعليمات وفبركة الملفات . لمن ذاكرته قصيرة اعود به الى سنة 2017 حيث وفي اطار حرب التصريحات والمواقع بين المنتمين لحزب نداء تونس عند ترأس المرحوم الباجي قايد السبسي لرئاسة الجمهورية . رئيس الحكومة وقتها يوسف الشاهد دخل في مواجهة مع ابن الرئيس و رجل الاعمال المثير للجدل شفيق جراية.

برز اسم احمد العويني هذا الضابط بوحدة القرجاني الذي تقدم للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس الطيب راشد ليقع الاستماع اليه وتقديمه وشاية كاذبة في حق عماد عاشور و صابر العجيلي . لم يتورط القضاء العدلي في هذه التجاذبات ورفض ان يكون طرفا فيها رغم الضغوطات التي تسلطت عليه . وتم اقحام امنيين ابرياء في الملف وتم تعهيد القضاء العسكرى وايقافهم من اجل الخيانة العظمى وافشاء اسرار الدولة لجهات اجنبية .

في خضم تلك الصراعات ….

اتصل بى ثلاث مواطنين من مسقط راسي بن قردان وتم اعلامي انهم يتعرضون لعملية هرسلة وابتزاز من ضابط امن يتبجح بعلاقاته القوية برئيس الحكومة يوسف الشاهد وانه قام بإدخال شفيق الجراية الى السجن وكذلك حتى مدير المخابرات عماد عاشور. ويقوم بهرسلتهم و بالاتصال بهم من الهاتف القار للوحدة الامنية وقد قام باستدعائهم لمقر الوحدة وقام بتحرير محاضر عدلية ضدهم تم حجزها فيما بعد دون ان يكون للنيابة علم بذلك وقد قام بالاستيلاء على مبالغ مالية كبيرة .

حررت شكاية جزائية وقدمتها في حق هؤلاء المواطنين وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي يحسب له انه لم يتأثر بصفة المشتكى به بل اذن بإيقافه بعد تقدم الابحاث و ثبت تورطه في جرائم تدليس وسرقة .

ورغم ان الضابط الموقوف تجمعه علاقة برئيس الحكومة المباشر وقتها لتتضح في ما بعد المؤامرة التي تعرض اليها اطارين ساميين في وزارة الداخلية تم الزج بهما ظلما السجن .

محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة تصدر قرارا تاريخيا وترجع الامور الى نصابها ويتم تعهيد النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب لتتخذ قرار بحفظ الملف لعدم وجود جريمة مطلقا في حق الامنيين وليقع انصاف الابرياء . وبإمكان هيئة الدفاع عن عماد عاشور و صابر العجيلي تقديم ملحوظاتهم في هذا الشأن .

ملف التنصت خارج القانون صلب الادارة العامة للعمليات الفنية .

اقدم شهادتي في ملف توليت النيابة فيه ومطلع على جميع مظروفاته حيث تم تطويع هذه الادارة الحساسة داخل وزارة الداخلية للقيام بعمليات تنصت هاتفي خارج القانون وبدون اذون قضائية في الغرض على سياسيين وامنيين ورجال اعمال لصالح اطراف معينة .

باختصار شديد نظرا لحساسية هذا الملف ما يحسب لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس انه لم يخشى تتبع قيادات امنية مجرد ذكر اسمها يثير المخاوف لعديد القضاة . حيث أذن بالاحتفاظ بمدير ادارة العمليات الفنية واذن بالإدراج بالتفتيش المدير العام للمصالح الفنية الذي تحصن بالفرار والذين قاما بتجاوزات مالية خطيرة صلب ادارتهم وقد تعهد بها قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بالبحث فيها . و كذلك بخصوص تورطهما في عمليات التنصت الخارجة عن القانون تم تعهيد الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الارهاب بالبحث وتولت الفرقة ولأول مرة في تاريخ القضاء التونسي مداهمة احد مقرات ادارة المصالح الفنية بحضور النائب الاول لوكيل الجمهورية وحجز كل الادلة التي تثبت هذه التجاوزات حماية لأمن التونسيين من هذا العبث الذي يمارسه بعض المتمترسين وراء رتبهم الامنية العليا .

اختم لأقول بأن كتابتى لهذه الشهادة كانت غايتها نقل ما عشته في ملفات بعينها وانني مطلع على ادق تفاصيلها لاحظت فيها دورا مهما ومحوريا للنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس سواء في فترة تولى القاضي كمال بربوش او البشير العكرمي وكالة الجمهورية في التصدي للتجاوزات التي قامت بها الوحدات الامنية وهذا يحسب لهما لا عليهما بأن كانت لهما الشجاعة في تحريك الدعوى العمومية ضد قيادات أمنية عليا قامت بتجاوزات كانت في ما مضى محصنة من كل تتبع .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات