ما تحوّل باختصار هو الأداء العسكري والسياسي للمقاومة، وما بقي كما هو محمود عباس

ثمة تحولات هامة تحصل الآن في جولة المقاومة الفلسطينية العسكرية ضد دولة الشرّ المطلق، سرطان هذه الأمّة ومسخها الأيديولوجيّ: إسرائيل. وثمّة ما بقي كما هو. ما تحوّل باختصار هو الأداء العسكري والسياسي للمقاومة، وما بقي كما هو محمود عباس.

على المستوى العسكريّ بقي نظام القبة الحديدية التحدي الأهم أمام صواريخ المقاومة، واستثمار إسرائيل الأبرز وربما الوحيد، في حين خسرت إسرائيل، كما يبدو لي حتى هذه اللحظة، خيار التقدم العسكري على الأرض بما يشمل سلاح المدرّعات، على الأغلب لأنها أدركت بأن جنودها سوف يتساقطون كالذباب أو يحترقون في دباباتهم.

لقد انتهت اسطورة الميركافا التي لطالما فخرت فيها إسرائيل طوال عقود، ولم يبق لها سوى الاستنجاد بتكنلوجيا أنظمة الدفاع الجوية لحماية نفسها من أمطار نارية كانت هي التي تحتكر إمطارها.

ولكن حتى هذه، فلم تحسم بعد. هذه المرة حاولت المقاومة تحييد القبة الحديدية بتكثيف رشقات الصواريخ بشكل يصعب عليها اصابتها جميعا، ولكن في المرات القادمة ومع مزيدٍ من التصميم وعضّ الأصابع، لا شك لديّ بأن القبة الحديدية هي الأخرى سوف تصبح أسطورة غابرة، كما الميركافا. إنها مسألة وقت لا أكثر.

أما على المستوى السياسي، فقد انتهت هذه الظاهرة الجامدة الباردة--- هذه الخلطة العجيبة من البرود والتكلّس والتعجرف التي يسمونها محمود عباس. انتهى عصر أبو مازن نهائيًا الذي ورّث الوطنية الفلسطينية إلى حماس بعد أن أضاع الفرصة تلو الأخرى، آخرها فرصة الانتخابات التي أهدته إياها حماس.

حماس الآن، أحببنا ذلك أم كرهنا، هي صاحبة قرار السلم والحرب، ورأس النظام السياسي الفلسطيني القادم لا محالة، ومستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذه هي الأخرى مسألة وقت لا أكثر.

التعويل حصرا على «المجتمع الدولي»

التعويل حصرا على «المجتمع الدولي» في مواجهتنا مع إسرائيل هو وهم، ببساطة لأن هذه التسمية مضللة. ليس هنالك ما يمكن تسميته المجتمع الدولي، هنالك فقط قوى عالمية مهيمنة معدودة على أصابع اليد الواحدة وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذه هي طبيعة النظام الدولي الذي نعيشه بعد نهاية الحرب الباردة، وليس ثمة في تاريخ السياسة الخارجية لهذه المنظومة ما يوحي بأنها مدفوعة بحسابات أخلاقية، بل بمعايير المصلحة والقوة والضعف، والأهم في حالة فلسطين مسألة الثقافة.

أقول الثقافة، لأنه منذ زمن طويل، وتحديدا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تخلّصت أوروبا من عبء المسألة اليهودية وعقدة الذنب ازاء اضطهاد اليهود، التي كانت هي المسؤولة عنه كليا، أولا عبر تصدير الجيتوهات اليهودية في أوروبا إلى جيتو كبير خارجها هو إسرائيل، ولاحقًا عبر تصدير عقدة الذنب ذاتها، وتهمة اللا-سامية إلى العرب.

كان ذلك هو أصل التحالف الثقافي العميق بين أوروبا الاستعمارية والحركة الصهيونية التي مثلت آنذاك أقلية هامشية في التيارات المركزية الفكرية اليهودية، فقد قدّم الصهاينة حلًا ثقافيا منسجما مع الثقافة الأوروبية - لا بإلغاء الغيتو، ولكن ربطه بالسيادة خارج أوروبا-- أي في فلسطين. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر نفسها جيتو متخيل. كل الدول هي أمم، وحدها إسرائيل هي جيتو متخيل.

بهذا المعنى فإن تعاطف ما يسمى المجتمع الدولي مع إسرائيل ليس تعاطفا عقلانيا، بل هو حاجة ثقافية، هو شعور أعمى لا يمكن تسويته إلا بتغيير الأسس الثقافية التي تأسست عليها الحضارة الأوروبية، أو إعادة تصدير المسألة اليهودية إلى الغرب، وكلاهما مستحيل، ولا يشبه سوى مطالبة الأوروبيين التوقف عن قراءة الكتاب المقدس، أو المسلمين عن التوقف عن قراءة القرآن.

واهم إذًا من يعوّل حصرًا على المجتمع الدولي، وأقصى ما يمكن أن نتوقعه منه لا مساءلة شرعية إسرائيل وايديولوجيتها المسخ، بل دعوتها - بكل حب- إلى تقنين وتنظيم قتلها للفلسطينيين، في مقابل إدانة شاملة وسافلة لأسلحة المستضعفين، سواء كانت صاروخًا محليّ الصنع أو زجاجة مولوتوف أو حتى سكين.

في مثل هذا الحال المأساوي، ليس أمامنا سوى أسناننا وأظافرنا، لأن البديل هو إلغاء أنفسنا والاختفاء عن الوجود.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات