
التحديات القادمة لقطاع دور الشباب وللنموذج التنشيطي المبني على خرّيجي بئر الباي وهياكل الشباب الراجعة بالنظر الى وزارة الشباب والرياضة ، لا تتعلق بأفق التطوير فقط وإنما تطال الوجود ، اي ان هذا القطاع اذا لم يقدم بتلقاء نفسه على تحولات رديكالية تمسّ مسلماته ، سيكون خارج التاريخ …
انه من بين مشكّلات هوية هذا القطاع اللانظامي ومرتكزاته التي بني عليها نظريا وممارسة نشير خاصة الى:
ريادة التنشيط المبني على دار الشباب واحتكاره لنماذج مؤسساتية في سلوكات تقضية الشباب لوقته الحرّ ، تقوم و تعتمد على قيم تربوية واتصالية وابداعية جديدة ، تتأسس وتتشكل على تقويض النماذج التقليدية، وتفتح المجال للابتكار والتعدد والتنوع، وتستند في كل نظمها وممارستها على مبدأ الحرية ، اي انها لا تؤسس لنمط قابل للتعميم في الترفيه والتربية والثقافة والابداع والنشاط الجماعي ، فهو نشاط حر يختار المنشط وقته وكنهه ومداه استجابة لالتقاط حاجة مجموعة شبابية او استباق تقديري لوقوع طلب او تكريسا لقيمة اخلاقية تربوية مجتمعية مطالبة الدولة بحمايتها ، اى مساهمة فعالة في ادماج مستحدثات ثقافية وعلمة وتعبيرية وابداعية ، ولعلّه من المعلوم ان هذا الاطار المثالي كان يتحقق ويمارس بتنسيب واجمل ما فيه انه كان يصارع في وجوده ،
ولا احد ينكر ما تحقق من مكاسب في هذا الصدد بدليل ان المزاج العام للقطاع كان ينكر ويستهجن كل حياد او زيغ عن هذا المنهج ولو تقلصت فاعلية ذلك ي زمن ظغيان الاستبداد الثقافة التقليدية المجتمعية التي تحقر انشطة الوقت الحر غير الربحية وتكتفي بأنشطة اجتماعية او ترفيه غير منظم ، ويصارع نمط المؤسسة التعليمية المعرفي التسلطي ، ويصارع السلطة النمطية للدولة خاصة ضمن مخرجاتها الادارية ، يصارع خاصة الانماط الاسبدادية التي تسعى لتوظيفه وجعله اداة دعاية وترويج لها مستفيدة من خصوصياته وادواته واشكاله الابداعية مرتكزة في ذلك على انتهازية قياداته العليا للفرص المتاحة لهم للتسلق او الصمود عبر مميزات هذا القطاع ،
وقد شهد القطاع في مسيرته ملاحم صمود في دفاعه عن هويته ، وكذلك سقطات وعثرات طالت اشخاص ولم تطل بنية وجوهر القطاع ، وفي الوقت الذي يفترض ان تكون الثورة او التحولات الحاصلة منقذة للقطاع ممن يتربص بجوهره الابداعي الخلاق ، نرى الواقع صادما تماما ، اذ تراجع منسوب التميز وانهار مؤشر الحرية بشكل لافت ، الى درجة ان القطاع اضحى مهدد في وجوده ، مهدد بالتطورات الكونية الحاصلة في انماط الترفيه وشبكات الاتصال وعولمة قولبة سلع الترفيه، مهدد بتعدد مجال الحرية والابتكار والتنوع الذي اصبح عاما وسائدا ولم يعد يحتكره الحقل التنشيطي ، مهدد بتراجع حصرية التفرد بأسلوب ومجال تعبيري صار بعد الثورة في متناول الجميع وخاصة منه الفضاء الجمعياتي والفضاء الاتصالي المرقمن و التجاري الذي يعتمد على انشطة الوقت الحر كفرصة ترويجية نادرة يغتصب فيها آليات التنشيط ، مهدد كذلك من الداخل بعودة الانتهازية المشطة والعبثية بعدم التردد في تنميط وعولبة وتعميم قسري بليد لنماذج من الانشطة المبتذلة ( في شكلها وليس في ذاتها ( وهذا ما زاد في طمع القائمين على امره ، خاصة في مرحلة عدم الاستقرار السياسي التي يكون فيها من تبوّؤوا المناصب اشد خوفا وهلعا من فقدان ما حازوه من مكاسب، مهدد بما اصاب القطاع العام والادارة من ميوعة وتسيب وتسابق نحو التسلق الرخيص ،
ولكن رغم اتساع دائرة هذه التهديدات المتزايدة فان هذا القطاع ولأسباب هيكلية وبنوية اثبت عجزه عن استثمار مخزونه ورصيده الاستثنائي الذي هو في ال اشد اقتدارا من غيره في مواكبة التحولات المجتمعية وأكثر انسجاما مع المبادئ المجتمعية المنشودة ، بل ان المجتمع في امس الحاجة الى هذا القطاع ليبني مشروعه خاصة على مستوى ثقافة الشباب وعلى مستوى دينامكية المجتمع المدني وعلى مستوى المشروع التربوي المنشود ،
للأسف ستستمر هذه التهديدات المستهدفة لقطاع دور الشباب في وجوده خاصة في زمن عدم الاستقرار وفي زمن تسليم منشطو ومديرو دور الشباب بالامر الواقع في مرحلة اولى ، وبسعي عدد منهم الى استثمار لحظة السذاجة والتسطيح في تحقيق تألق مزيف يضعهم ضمن المرضين عنهم ومؤهلين للترقي، ليس من السهل اعتبار هذا السقوط مجرد ازمة عابرة لان الفعاليات المجتمعية بصدد تأسيس بدائلها التي تنسجم مع الواقع الجديد.