فصل المقال فيما بين عبير ومارين لوبان من تشابه ومآل.

Photo

كنت منذ بداية اعادة احلالها في المشهد اشرت الى وجه التشابه الكبير بين زعيمة الحزب الحر الدستوري ومارين لوبان الفرنسية زعيمة التجمع الوطني. وما يجمع بينهما حدة الخطاب وشوفينيته واحتكار تمثيل الوطنية وجرعة النضال الزائدة عن الحد الديمقراطي ونزعة الاشتباك مع الخصوم.

ما يفرق بينهما ربما هو ان خصوم مارين لوبان هم المهاجرون واصحاب الديانات الاخرى الذين يهددون التوازن الديمغرافي ويعقوبية المنوال. اما عبير وحزبها فخصومتها مع الداخل ومن معلن الخطاب مع منظومة الانتقال الديمقراطي ما بعد الثورة ومع "الخوانجية" تحديدا الذين لا ترى لهم تسمية اخرى تليق بهم.

لا شك ان تجربة مارين لوبان أقدم وأكثر رسوخا وهي وريثة ابيها لكنها تتقدم في كل انتخابات لتراوح سقف العشرين بالمائة ويعلق على صعودها دائما بالقول " صعود اليمين المتطرف" ولا يوصف بالشعبوية باعتبار تجذر الظاهرة وقدمها واستجابتها لانتظارت جمهور انتخابي ثابت نسبيا (مسجل بدفتر خانة الفرنسي..) ولها من يشابهها تقريبا في باقي البلدان الاوروبية القومية. باختصار ظاهرة مارين لوبان تعبر عن حاجة اجتماعية سياسية وطنية فرنسية لكن المنظومة الدستورية والديمقراطية تضبط سقوفها وتمنعها من تصدر المشهد كليا اي انها يمكن ان تمر الى الدور الثاني لكن من الاستحالة ان تفوز برئاسة فرنسا.

لعله من المفيد ترويض الغرائز ومنحها حق الكلام بدل كبتها وانكارها وهنا تظهر صلابة الحرية ونضجها واريحيتها في مناخ ديمقراطي ينقل العنف السياسي من الفعل المباشر الى دائرة الكلام ان لم يفلح في تحجيمه تماما.

عبير التونسية تعبر عن حاجة وطنية شبيهة ولا تمثل شيئا في شخصها الا بقدر نجاحها فيما فشل فيه غيرها. ويخطئ تماما من يصطف وراءها لمجرد الاعتقاد انها البديل الوحيد عن النهضة وانه عليه ان يختار بين أحدهما وإنها اهون الشرور. كما يخطئ من ينظر اليها كصوت نسوي يعيد التوازن مع سطوة الذكورة والثقافة المحافظة فليست اهلا فعلا لهذا الدور المدني إذا ما ارتفعنا عن حدي الوصم والبروباغندا.

هي صوت النخب الاجتماعية التي استفادت طويلا من العلاقات الزبونية للدولة العميقة في الداخل والخارج وتعمل على توريث المصالح وحمايتها من اعادة توزيع عادلة للثورة. وهي صوت الضغينة امام اعتدال ثقافة المشاركة والمواطنة.

لا خوف على الديمقراطية من عبير وحزبها. ستعود الى حجمها الطبيعي عند ما يضعف وصم خصومها ويتعرى زيفه وينسحب من المعركة اصحاب الضغينة الاديولوجية والمصالحية الذين لا يثقون في أنفسهم ولا يفكرون خارج منطق التصويت المفيد. ستعود الى حجمها عندما تستعيد البلاد الاستقرار والنمو الذي يصحبه رخاء اجتماعي لا يخاف فيه الغني على ثروته ولا يجوع فيه الفقير الذي عجز عن ضمان دخله بقدراته الذاتية. ستعود الى حجمها عندما يتحول الاشتباك الى ثقافة برامج ومشاركة ووحدة وطنية.

ما ينفع الناس يمكث في الارض ومنه لوبان تونس.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات