الحنين إلى الماضي التعيس

Photo

ذات شتاء من هذا العقد، خرج التونسيين إلى الشوراع و الساحات رافعين علامة قف في وجه بن علي و حزبه التجمع الدستوري الديمقراطي في إشارة واضحة لخراب منظومة كاملة حكمت تونس منذ الاستقلال و ترهلت بفعل السنين بعدما نخر جسدها الورم الخبيث و حان وقت استئصاله لكي يحي هذا الوطن المريض.

بمرور الأيام و السنين حصل التغيير و كسب التونسيين جولة من معركة طويلة المدى فالرقى و الازدهار لا يأتي بين ليلة و ضحاها بل يتطلب الكثير خاصة و أن الواقع التونسي مريض و بعيد كل البعد على كل الأرقام و الإنجازات الوهمية التي ظلت مجرد حبر على ورق.

الحصيلة الحالية لثماني سنين من ثورة التونسيين سلبية بكل المقاييس بكل التأكيد و ليست بمفاجأة على الكثيرين، فالأسباب عديدة و الجميع مسؤول على هذا الحصاد الهزيل لشعب انتظر الكثير من منظومة حكم جديدة قديمة غرقت في تصفية الحسابات بعيدا عن تحقيق الإنجازات أو حتى رسم خارطة طريق لوطن جريح تقدر على النهوض به بمرور السنين.

هذا العصر لم تعد فيه السياسة تقوم على الخطابات الإنشائية و التصورات الايديولوجية فهذا زمن ولى ولم يعد يأتي بالجديد بعدما أصبح العالم خاضع لسلطة العولمة التي تؤمن إلا بالبراغماتية السياسية و الاقتصادية و تحول المادة إلى اللغة السائد بين الجميع.

في تونس، أصبح المواطن البسيط يرى في ربيع حياته تحول لسواد و أصبح محاصر بالخراب و الموت من كل جانب، و تحول فريسة سهلة بيد الناقمين على العالم الجديد و سوقوا له أن العودة إلى الماضي هو السبيل الوحيد لإنقاذ نفسه و قد تجلى هذا الأمر في انتخابات 2014 فعادت المنظومة القديمة بثوب جديد لكنه ردئ لم يقدر على تقديم نفسه بشكل المنقذ بل زاد في تعميق الأمور و كشف عن إفلاس الكثيرين و عجزهم عن تحقيق المستحيل.

أصبح الكفر بالحرية في تونس ليلا نهارا من عبدة أصنام الديكتاتورية و أن خلاص البلاد بيد ظالم مستبد، فالتونسي ليس أهل للحرية و الديمقراطية، لكنهم تناسوا أن الفساد نشأ و ترعرع في حضن النوفمبريين و بنى مؤسسته في دولة صانع التغيير و نحن الآن نقاسي ويلات هذا الأخطبوط الذي للأسف وجد من يحيه من جديد و يجد في صندوق الاقتراع تأشيرة البقاء و الاستمرار في ذبح حلم الكثيرين بالتغيير من الوريد إلى الوريد.

الحنين إلى الماضي جميل و مفيد لكن الحنين إلى ماضي الفساد و الاستبداد و تصويره كمثال للتقدم و النجاح هو تعبير عن إفلاس الأفكار و الأخلاق و العجز أمام الصعاب و التسليم أن الواقع لم يتطلب الخروج أمام فساد القديم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات