دعوهم يتصارعون على صغائرهم و تفكّروا فيما عظُم من القضايا

Photo

صديقي الذي أشفق علي، صرت مشفقا عليه، قال لي ألا ترى أننا، نحن العرب، ومنذ ما يزيد عن قرنين من الزمان لا زالت أسئلتنا تراوح مكانها وما نكاد نخرج من المربع الأول حتى نعود إلية؟ أعقولنا عاجزة عن استيعاب مفردات الديمقراطية والتنمية وتمثل قيم الكرامة الإنسانية؟ أهم من طينة ونحن من طينة أخرى؟

قلت له الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان ليست طلاسم مستعصية عن الفهم و لا أظن أن المشكلة تكمن في فهم مدلولاتها ومقتضياتها ولكن في غياب شروط التحضر التي توفرت عندهم ولم تتوفر عندنا. عندما انطلقوا في بناء حضارتهم انطلقوا في غفلة من العالم ونحن نعمل الآن تحت مجهرهم المشتغل على الدوام، هم متربصون بِنَا و نحن متربصون بأنفسنا، نحن نعمل تحت القصف الإيديولوجي والعسكري المستمرين، الحريق في بيتنا مشتعل على الدوام، يغذّيه حرصهم وهواننا يلهب ناره. هم استطاعوا أن يجعلوا صاحب القلم وصاحب الشوكة وصاحب القوة يعملون ضمن إستراتجية شاملة متكاملة الأبعاد ومنظومة قيمية جامعة ونحن جعلناهم يتواكلون ويتآكلون، أصوات عالية، وأفعال تتضخم حين الهدم وتتصاغر عند البناء.

قال لي "مبرراتك" تريح نفسي وترهق عقلي: ماذا عسانا أن نقول في اليابانيين، ألم ينهضوا تحت المجهر؟ وكذلك فعل الصينيون. قلت له لعلها ثقافة العمل والتحدي هي التي جعلتهم أقدر على كسب الرهان. و عندما تتوفر بعض الشروط تتحقق الإنجازات، أنظر حال المسلمين في شرق آسيا وفي تركيا و إلى حد ما في إيران، لقد استطاعوا أن يخرجوا من المربع الأول بل تجاوزوه بأشواط ولكن في المقابل، العمل جارٍ لتحجيم دورهم وتعطيل نمو اقتصادهم بشتى السبل وإذا لم ينجحوا في تكوين محور اقتصادي له وزنه فسيكون من السهل إعادتهم إلى المربع الأول. فمصير التجربة المصرية سابقا في عهد محمد علي والتجربة العراقية لاحقا، على علاّت كل منهما لازالت ماثلة للأذهان.

خلاصة الكلام كسب الرهان الحضاري ليس حكرا على شعب من الشعوب ولكنه لا يكون بالتمني ولا برفع الشعارات الجوفاء، هو ممكن بالعلم والمعرفة وبالعمل في إطار إستراتيجية تتكامل فيها كل الأبعاد وتتحد فيها الأضلاع الثلاثة لكل حضارة، الفكر والمال والإرادة السياسية..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات