الإحصاء العام للسُّكَّان والسُّكْنى 2024 بالمغرب إنطلق يوم 01 شتنبر 2024 التي ستقوم به مصالح المندوبية السامية للتخطيط خلال شهر شتنبر والذي سيؤطره53 ألفا و800 مشارك لتغطية 38.000 منطقة إحصاء داخل إثنى(12) عشرة جهة من بينهم جيش عرمرم من نساء ورجال التعليم(ما يزيد عن 17 ألف مشارك) الذي كان من المفروض أن يكونوا متواجدين في أقسامهم الدراسية وسط تلاميذهم لكنهم تسابقوا وتبارزوا فيما بينهم ليفوز المحظوظ منهم بنصيبه من(الكعكة) بعدما علموا بالميزانية الضخمة والمبالغ فيها التي خصصت لعملية الإحصاء والمقدرة بحوالي مليار ونصف مليار درهم(1.500،000،000)،وسيكون إحصاء 2024 السابع في تاريخ المغرب وسيعتمد التكنولوجيات الحديثة بالتخلي عن الأوراق لصالح الإستمارات في اللوحات الإلكترونية التي ستمنح للباحثين المكلفين بالإحصاء ميدانيا ناهيك عن معالجة البيانات بشكل رقمي وسريع، والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه: إذا كان للإحصاء أهداف فماذا يمكن أن يحقق لوطن يعيش في مستنقع واسع وعميق من الفقر والفساد والتخلف والأمية والبطالة وما إلى ذلك من الأزمات والإشكالات؟.
الإحصاء العام للسُّكَّان والسُّكْنى 2024 بالمغرب وفي ضوء معطيات التي لا تخفي نفسها في الأحداث الجارية هي أن هذه العملية أتت متأخرة عن وقتها فالديموغرافية في بلادنا تحولت في السنوات الأخيرة إلى أزمة خانقة وهو ما يفرض على الإحصاء أن يبحث بدقة فيما أصاب المغرب والمغاربة من أمراض وأزمات من جراء السياسة العامة للدولة، لذلك ستحاول هذه الإضاءة استقراء ملامح الأزمة الديموغرافية التي سيقوم بلا شك الإحصاء العام ملامستها وملامسة انعكاساتها المزمنة، فالزيادة الديموغرافية وبشهادة الأرقام الرسمية ارتفعت بنسبة تفوق 3.5 في المائة سنويا وعدد الفقراء والعاطلين والمرضى والأميين والمهمشين والمجرمين ارتفع بصفة مهولة نتيجة لإفتقار البلاد إلى البنيات الأساسية للنهوض والتنمية من جهة ومن جهة أخرى نتيجة تخلف وتدني وسائل تخطيطها وفوضوية تركيب طبقات مجتمعها، بذلك أصبحت أزمة الديمغرافية أزمة تتميز بالقتامة والتشاؤم لا بسبب الديون والضغوط المالية وحدها ولكن أساسا بسبب عجز سياسات الدولة المغربية لتذويب المشاكل والأزمات والفروقات الطبقية التي فرضت نفسها بقوة خارج شروطها وآلياتها الموضوعية.
الإحصاء العام للسُّكَّان والسُّكْنى 2024 بالمغرب يأتي في ضوء وضعية مثقلة بسلسلة من الأزمات يتطلب من الدولة إصلاحات جذرية في هياكل مؤسساتها لخلق ملايين من مناصب الشغل وإعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم والصحة والسكن وغيرها من القطاعات والمجالات الحيوية الأخرى الفاعلة في التوازن الاجتماعي وهو ما يجعل الأزمة حادة وثقيلة وربما خطيرة أيضا، فالمغرب الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون والمؤسسات يواجه تحديات ثقيلة متعددة ومتداخلة ومتشابكة تقف سدا منيعا ضد الديموقراطية وقيمها، ويعني هذا من جانب آخر أن الحالة المغربية أصبحت تواجهها اليوم في زمن الاحصاء هذا تحديات متنوعة ومتداخلة ومرتبطة بسلسلة من السلبيات منها ما يتصل بالنمو الديموغرافي ومنها ما يتصل بالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي ومنها ما يتصل بإصلاح المناهج الدراسية وحالة الإنتاج، ولأن المغرب على أبواب تحوله التاريخي فإن الأزمات المتراكمة على ساحته ستظل واقفة في وجه هذا التحول تنتظر الإرادة الجمعية للتغيير والإنتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ وفي إنتظار بيانات وتقارير الإحصاء وهو إنتظار قد يؤدي إلى تضخم الأزمة أو إلى إنفجارها في وجهنا.
الإحصاء العام للسُّكَّان والسُّكْنى 2024 بالمغرب يبقى الأمل عليه كبيرا بشرط أن لا تبقى النتائج والمعطيات والمعلومات والخلاصات التي سترد في التقرير النهائي الذي ستعده المندوبية السامية للتخطيط والذي ستعرضه على الرأي العام الوطني بعد انتهاء العملية الإحصائية حبرا على ورق أو يتم التعامل معها بشكل انتقائي أو ارتجالي بما قد يخدم فقط أجندة معينة لهذا الطرف السياسي أو ذاك على حساب المصلحة الوطنية والغايات التنموية الكبرى التي يهدف إليها الإحصاء، في وقت يعلم الجميع أن المغرب يواجه تحديات كبرى تستوجب منه وضع خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف من أجل رفع رهانات التنمية الشاملة واستحقاق عضوية نادي الدول الصاعدة.