2023...1973 من إذلال إلى إنكسار إسرائيل

صعود موجة المقاومة في فلسطين:

يمكن تفسير الحالة الثورية المتجددة في غزة والضفة الغربية والقدس وفلسطينيو 48 وتبدل المزاج العام لديهم كان نتيجةٍ لتظافر أمرين أساسيين:

الأول: التراجع الملموس عند أكثرية الشريحة الفلسطينية التي اقتنعت يوما ما بجدوى مسار أوسلو فعقب وصول هذا المسار إلى طريقٍ مسدود وبعد اختبار عواقبه الكارثية على مدى العقود الثلاثة الماضية على عموم المشروع الوطني الفلسطيني تبددت أوهام السلام عند أغلبية الفلسطينيين ممن خدعوا يوما به بما في ذلك أعداد لا يستهان بها من أفراد السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية نفسها.

الثاني: التقاط عموم الشعب الفلسطيني ومقاومته على الخصوص بحسّه الفطري اللحظة التاريخية وحقيقة اختلال موازين القوى التي حكمت الصراع العربي الإسرائيلي لعقود خلت إذ إن الحروب التي خاضها المحتل ضد حركات المقاومة الفلسطينية وكذا الإقليمية منذ 2006 قد أظهرت تعاظم قدرات حركات المقاومة عموما (طوفان الأقصى)وتراجع قدرة الكيان المؤقت.

لا نبالغ إذا قلنا إن المقاومة في الضفة الغربية قد عانت الأمرين منذ تولي "محمود عباس" رئاسة السلطة الفلسطينية إذ إن التنسيق الأمني كان إلى حد بعيد قد حرم المقاومة البيئة الحاضنة التي طالما تمتعت بها في تلك الساحة، ولعل من أبرز الأسباب التي مكنت الأجهزة الأمنية للسلطة من خلخلة البيئة الحاضنة للمقاومة في الضفة الغربية بتلك الفاعلية كان الوهم الذي خلقه مسار أوسلو لدى شريحة واسعة في الشارع الفلسطيني ولا سيما بين أبناء حركة (فتح) إذ باتت تلك الشريحة مقتنعة بإمكان استرجاع شيء من الحقوق الفلسطينية المسلوبة عن طريق المفاوضات فصارت عناصر الأمن الفلسطيني تقمع المقاومين من أبناء جلدتهم وتسهر على حماية أمن المستوطنات وقطعان المستوطنين معتقدة أنها تخدم بذلك المشروع الوطني الفلسطيني، من هنا سيبرز على أن الضفة الغربية قد مرت بسنوات موت سريري من ناحية الفعل المقاوم وعن أن الإحتلال في الضفة الغربية قد تحول إلى إحتلال خمس نجوم إذ لم يعد يتحمل أي أعباء من جراء استمرار احتلاله مع وجود السلطة الفلسطينية سواء أكان ذلك على صعيد التكلفة البشرية للإحتلال أو على صعيد تكلفته المادية،

إلا أن الضفة الغربية قد بدأت تستعيد حيويتها منذ حين وكانت البداية مع عمليات الطعن والدهس الفردية ضد جنود الإحتلال ومستوطنيه ومن ثم تطورت أعمال المقاومة لتضم هجماتٍ بالأسلحة النارية، فما ميز الضفة الغربية فقد كان ولادة حالة التشكيلات المقاوِمة شبه المنظَّمة فجاءت البداية مع مجموعة (كتيبة جنين) التي سرعان ما انتقلت عدواها إلى البلدة القديمة في نابلس وذلك مع ولادة مجموعة (كتيبة نابلس) لتتحول تلك الأخيرة إلى مجموعة (عرين الأسود) عقب انضمام مجموعات مقاوِمة أخرى إليها لتغدو هذه المجموعة بعد ذلك الحالة المقاوِمة الأبرز في الضفة الغربية.

لعل معركة (سيف القدس) 2021 ومعركة (طوفان الأقصى) 2023 كان لهما الأثر الأكبر في تبدل المزاج العام الفلسطيني فالأداء المميز لفصائل المقاومة الفلسطينية في هتين المعركتين قد أعطى لخيار المقاومة دفعة لا يستهان بها وظهر ذلك جليا في تفاعل عموم الشعب الفلسطيني معها في الداخل وفي أراضي 1948 وفي الشتات، والمرجح أن يستمر هذا المسار ويتطور إذ إن إعادة عقارب الساعة في فلسطين المحتلة إلى الوراء يلزمه إبطال مفاعيل تلك الظروف الموضوعية التي أفضت إليه في المقام الأول وهذا ما لا مؤشرات عليه وذلك ضمن المدى المنظور للأوضاع الفلسطينية والإقليمية وكذلك تلك الدولية المستجدة بحيث سنجد أن ما أفضى إلى مسار تجدد الحالة الثورية للمقاومة الفلسطينية كان تضافر مجموعة ظروف موضوعية في الداخل الفلسطيني وأخرى في الإقليم حتى إن "حزب الله" كان قد تمكن مؤخرا من إرغام كيان الإحتلال على الرضوخ لمطالب الدولة اللبنانية في غاز شرق المتوسط بمجرد التلويح بإمكان فتح جبهة جنوب لبنان.

في كل الأحوال، تظل هذه المجموعات المقاوِمة في فلسطين المحتلة على تعددها تمثل حالة مقاوِمة وذلك ضمن مسار مستمر لكن تلزمه خطوات إضافية كي تكتمل فاعليته ليصير مؤثرا إلى الدرجة التي يمكنه معها من تحقيق إنجازات ملموسة على طريق تحرير كامل للأرض الفلسطينية من نهرها إلى بحرها، ويكفي في هذه المرحلة أن تبقي هذه المجموعات المقاوِمة على حالة الإشتباك مع الإحتلال بحيث تكون ملهمة للجيل الصاعد على اختلاف انتماءاته الفصائلية المتحمس إلى مقارعة الإحتلال وأن تكون هذه المجموعات المقاوِمة نواة تكبر وتقوى مع مرور الزمن لتصل إلى مدنٍ أخرى في الضفة الغربية حينها تغدو الأرض ممهدة أمام قوى المقاومة في فلسطين لتدعم تشكيلات المقاومة الناشئة في ساحة الضفّة الغربية بما يقتضيه الأمر لتحقيق نقلة أخرى على مسار إزالة الكيان المؤقت، ولا يعد فرض الإنسحاب على الإحتلال من الضفة الغربية وتفكيك المستوطنات من دون قيد أو شرط بالأمر غير الواقعي في هذه الحقبة وذلك ضمن موازين القوى المستجدة فإجبار الإحتلال على الإنسحاب سابقا تحت ضربات المقاومة من جنوب لبنان وبعدها من قطاع غزة بات تحقيقه في الضفة الغربية في متناول اليد.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات