حوار مع رئيس تونس قيس سعيد عندما كان وفقط مواطنا/ أستاذ قانون دستوري

أجريته معه في سبتمبر 2017 ، وعجرت حينها عن نشره في الأهرام .. ثم نشرته لاحقا على هذا النحو بعدما فاز بالرئاسة في اكتوبر 2019.. اظن الحوار مهم وعجيب بما ورد به وبملابسات النشر. وسبحان مغير الأحوال اليوم .. والنص هنا وورد ايضا لتجنب حجب الموقع في مصر .

يؤدي اليوم الأربعاء 23 اكتوبر 2019 قيس سعيد ( 61 سنة ) اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب( البرلمان التونسي )ليصبح ثالث رئيس للبلاد بعد الطبيب الحقوقي المنصف المرزوقي (2012 ـ 2014) المنتخب من المجلس التأسيسي و الباجي قايد السبسي المحامي ووزير الداخلية والخارجية في عهد زعيم الاستقلال ومؤسس الدولة الوطنية بتونس الحبيب بورقيبة( 2015ـ 2019) ،وهو أول رئيس يأتي بالانتخاب المباشر الحر التعددي في تاريخ تونس .

ويعد الأكاديمي قيس سعيد من أبرز أساتذة القانون الدستوري في تونس. وهو نادر الحديث أمام وسائل الإعلام، مع أن للرجل آراء انتقادية لافته لمسار الانتقال الى الديمقراطية بعد الثورة. وقد أجرى هذا الحوار معه يوم 21 سبتمبر 2017 في كافيتريا أحد فنادق شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية بعد أيام معدودة من تمرير أغلبية البرلمان بما في ذلك كتلة حزب حركة النهضة مبادرة الرئيس السبسي بالمصالحة الإدارية مع رجال الرئيس المخلوع "بن على " ،وبهذه المناسبة. وحينها بدا الاحباط مخيما على قطاعات مهمة من المجتمع المدني ومن الشباب المنحاز للثورة، وبخاصة من انخرطوا في حركة " مانيش مسامح " المناهضة للمصالحة، والتي نجحت جزئيا في الدفع نحو تعديلات بالبرلمان على المبادرة الرئاسية تسقط منها شمول المصالحة لجرائم اقتصادية ومالية ارتكبها رجال أعمال.

و اجرى هذا الحوار ا قبل أن يعلن سعيد لاحقا في بدايات عام 2019 رغبته ونيته الترشح للرئاسة وفوزه بها في أكتوبر الجاري .لكن لم يكن ممكنا نشر الحوار حينها ولا بعدها في صحيفة " الأهرام "ـ التي كنت مراسلها بتونس ـ لاعتبارات عدة، بعضها تعلق بما أصبحت عليه سياسة تحرير الصحيفة وتوجهات سلطة الدولة في مصر، وبعضها بتأثير تعقيدات نشر في علاقة مركز الصحيفة بمراسلها بتونس. وقد أوضحت لقيس سعيد قبيل اجراء الحوار هذه الملابسات وضعف حظوظ النشر في" الأهرام" حينها ، وتفهم ومضينا في اجرائه.وكما أبلغته حينها باعتزامي النشر ضمن ملاحق كتاب اعكف على اعداده بعنوان :" دراما المظاهرة والصندوق : الاحتجاجات الاجتماعية والانتخابات البلدية بتونس " .لكن الكتاب لم يصدر بعد .

ولعله من المفيد أن نتعرف في لحظة تنصيب قيس سعيد اليوم كيف تحدث متحررا من اعتبارات وضغوط منصب الرئيس وقبل مباشرة الحملة الانتخابية. فقد انتقد في هذا الحوار دخول حزب حركة النهضة إلى " المنظومة / السيستام " ليجرى اعادة انتاج ما قبل الثورة .وشرح كيف استطاع " السيستام "وممثليه من رجال أعمال وسلطة نافذين أن يظل متحكما في مقدرات تونس ويلفت على مطالب التغيير و شعار " الشعب يريد اسقاط النظام " .كما ساق اسباب عدة لما اعتبره " عوارا دستوريا وقانونيا " في تمرير قانون المصالحة في البرلمان . ومع هذا فإن قيس سعيد بدا متفائلا بقرب تغييرات تاريخية في تونس ومجمل البلدان العربية وباتجاه تصحيح تغول سلطة الدولة على المواطن والمجتمع .

الرئيس الأسبق المرزوقي دعي لحضور تنصيب الرئيس الجديد بمقر البرلمان في حي " باردو " بالعاصمة،وهو من نافس بين 25 مرشحا قيس سعيد وخرج من الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة. أما الرئيس السابق السبسي فقد توفى في 25 يونيو / حزيران الماضي، واستكمل رئيس البرلمان محمد الناصر عهدته كقائم بأعمال رئيس الجمهورية لمدة اقصاها ثلاثة اشهر . واجرى البرلمان تعديلات على قانون الانتخاب للتسريع بآجال الطعون على نتائج الانتخابات الرئاسية أمام المحكمة الإدارية كي تتمكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من إعلان الفائز بصفة نهائية خلال الفترة الانتقالية المنصوص عليها في الفصل ( المادة ) 84 من الدستور الجديد الصادر في ديسمبر 2014 بعد الثورة التونسية ، والمسمي بدستور الجمهورية الثانية.

وفي أن يشهد رئيس أسبق اجراءات تنصيب رئيس جديد أمام البرلمان وأن تنتقل سلطة رئاسة الجمهورية بسلاسة وبسرعة عند وفاة الرئيس السابق ما يدهش التونسيين انفسهم ويغمرهم بمشاعر فخر . وتستدعى الأجيال التي عاصرت إعلان الجمهورية في 25 يوليو /تموز 1957 أو ولدت بعدها بسنوات قليلة من الذاكرة أن الزعيم بورقيبة أول رئيس قد اطيح به في " انقلاب طبي "في 7 نوفمبر 1987 ، قاده وزيره الأول و وزير داخليته الجنرال زين العابدين بن على، و تم ابعاده عن العاصمة الى إقامة جبرية وعزلة على اطراف مسقط رأسه مدينة " المنستير " حتى توفى في 6 ابريل / نيسان 2000 . وحينها عتمت السلطات على النبأ وضيقت على المشاركة في جنازته هناك، و بث التلفزيون الرسمي في توقيتها افلاما تسجيلية للرسوم المتحركة و عن الحيوانات . كما تقارن مختلف الأجيال من التونسيين اليوم مع مصير الرئيس الثاني للجمهورية بن على لذي فر الى السعودية مساء 14 يناير / كانون ثاني 2011 إثر وصول الثورة الشعبية ضده الى العاصمة ، ثم مات بعيدا وملاحقا بأحكام سجن بعشرات السنين 19 سبتمبر الماضي.

وفيما يلي نص الحوار :

*هل توضح الاتجاه الذي تتبناه في نقد مسار الانتقال الى الديمقراطية بعد الثورة؟... وما الخلل؟

ـ لنعد إلى 14 يناير / كانون ثاني 2011 وكيف تم نقل السلطة بسرعة الى رئيس مجلس النواب ( فؤاد المبزع ) بعد ان تولاها لمدة قصيرة الوزير الأول ( محمد الغنوشي) وفق الفصل السادس والخمسين من الدستور السابق .كانت النية تتجه في هذا اليوم بعد ليلة الانتقال من فصل الى آخر الى تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها وحسب. وكأن الأمر يتعلق بمجرد شغور رئاسة الجمهورية . وهكذا تواصلت المناورات والمؤامرات .ولكن أيضا تواصل حينها المد الثوري مع اعتصام القصبة الثاني في فبراير / شباط 2011 .حينها طالب الشعب التونسي بإسقاط النظام .ولم يجد النظام آنذاك سوى احتواء هذا المد داخل المنظومة .وبالفعل نجح في احتوائها . وكانت الفكرة هي ادخال القوى الثورية الى داخل المنظومة القائمة كي تتغير مطالبها وتصبح مطالب جزئية فرعية . فضلا عن كون ان المنظومة القائمة قامت بتحديد قواعد اللعبة .وهي تعرف مسبقا النتائج التي ستترتب على أي اختيار .

وتم تنظيم انتخابات ( المجلس التأسيسي ) في أكتوبر 2011 .وأفرزت ما أفرزت من نتائج ، وبخاصة فوز حركة النهضة بالعدد الأكبر من المقاعد ، ولو أنها لم تتحصل على الأغلبية المطلقة . لكن هيئ لها أنها تمارس السلطة. وإذ بسرعة كبيرة تحولت هذه الحركة إلى جزء من المنظومة ، وقبلت طوعا أو كرها بقواعدها وبالعمل من داخلها . واشتدت الأزمات في تونس وانحسر مجال التحرك داخل الشارع نتيجة للصراعات داخل أجهزة الدولة .ومنذ ذلك التاريخ بدأنا نعيش تقريبا في ظل نظام ظاهر هو ( المجلس التأسيسي فالبرلمان ) وآخر خفي .

*هل تتفضل وتوضح أكثر طبيعة هذا النظام المزدوج؟

ـ الظاهر هو المنتخب أو الذي تولي السلطة بحكم الانتخابات. والخفي هو الذي يتحكم في كل أجهزة الدولة. وهو يرى كل شيء لكنه لا يرى ( بضم الياء ) .هو بالفعل النظام القديم من المتنفذين رجال أعمال و سلطة . وحين اشتدت الأزمة في عام 2013 تم نقل مركز السلطة من قصر المجلس النيابي ( التأسيسي) بباردو الى قصر آخر مجاور له هو ( قصر المستشارين ) حيث اجتمع المشاركون فيما يسمي بالحوار الوطني .وكان الهدف غير المعلن هو أن الانتخابات وحدها لا تضفي المشروعية على الحاكم . بل أن للمشروعية مركزا آخر غير منتخب من داخل الحوار الوطني .

وهكذا اصبح هناك قصران: أحدهما يمثل شرعية ظاهرة هو باردو والثاني لشرعية موازية ( قصر مجلس المستشارين سابقا ) .وفي هذه الأجواء جرى وضع الدستور أو ما أسمي باستكمال المسار التأسيسي الى جانب المسارين الحكومي و الانتخابي في اطار الحوار الوطني .وما يتم الاتفاق عليه في هذا الاطار هو الذي يتم تمريره إثر ذلك من القصر الثاني الى القصر الأول . بل أكثر من هذا. فقد وضعت بعض أحكام الدستور في غرف مغلقة. بل تم استبدال أحكام بأحكام بين القراءتين الأولى والثانية لمشروع الدستور ، ولا يعرف مصدرها . وهذا من قبيل الفصل السادس المتعلق بحرية الضمير والدولة الراعية للدين. وكذا الفصل الثالث والتسعون المتعلق باللغة العربية وضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية . وهكذا تمت خيارات في الخفاء. وبعدها صادق المجلس التأسيسي عليها .

*نأتي الى إشكالية النظام السياسي نفسه وطبيعته المختلطة بين برلماني ودستوري .. ما هو تصورك في ظل السياق الذي قدمته هنا ؟واعتقد ان هذا له أهميته في ظل المطالبات الجارية حاليا من قوى سياسية بتعديل يسمح بالعودة الى سلطات أكبر لرئيس الجمهورية ؟

ـ تمت انتخابات 2014 وفق هذا الدستور الجديد وفي ظل القانون الانتخابي الذي تم وضعه لانتخاب رئيس الجمهورية والمجلس النيابي . وكان هناك صراع خفي داخل الغرف المغلقة حول اختصاصات رئيس الجمهورية والحكومة. وكان هناك نوع من قراءة للتوازنات السياسية تقوم على أن الرئيس الحالي للدولة ( المقصود الباجي قايد السبسي ) سوف يتم انتخابه وعلى أن الانتخابات التشريعية ستفوز بها حركة النهضة وبعض الأحزاب الموالية لها . وجاءت هذه الانتخابات بما جاءت به من نتائج. وتحول مركز الثقل بسرعة من قصر باردو والقصبة ( الأخير قصر الحكومة ) والتي يفترض انها نابعة من الأغلبية داخل المجلس النيابي الى القصر الرئاسي بقرطاج . ويكفي التذكير بعملية تجديد الثقة في رئيس الحكومة السابق ( الحبيب الصيد ) .فقد تم وضع حد لرئاسته للحكومة تقريبا بمجرد حوار تلفزي أجراه رئيس الدولة في 3 يونيو / حزيران 2016 .وفقد الثقة داخل البرلمان نتيجة هذا الحوار . وحين تم طرح مسألة الثقة على البرلمان لم يحظ إلا بأصوات قليلة جدا .وهذا بعدما ساندته أغلبية مريحة جدا .

وفضلا عن هذا ، فإن القرارات التي يجرى اتخاذها اليوم تأتي من القصر الرئاسي . وكأن الحكومة هي حكومة رئيس الجمهورية .وهذا بالرغم من ان الدستور ينص على أنها منبثقة من أغلبية البرلمان . وهنا يتعين الانتباه أن تونس الآن دولة ذات نظامين . احدهما ينص عليه الدستور. والثاني هو الذي يتحكم في كل شيء منذ 14 يناير/ كانون ثاني 2011.

*وأين ما في الدستور من صلاحيات للبرلمان ؟

ـ عملية تصنيف الأنظمة السياسية مسألة فقهية تجرى بناء على معايير يعتمدها فقهاء القانون الدستوري . ومن الصعب تصنيف النظام السياسي الحالي في تونس وفق نصوص الدستور ووضعه في خانه دون تحفظ أو احتراز. فهو ليس برلمانيا خالصا وليس رئاسيا . هو بين بين على حد تعبير المفكر المصري الراحل طه حسين . وهذا ما تقوله أيضا نصوص دستور 2014. و مالا تقوله النصوص أيضا هو أننا وفعليا أمام نظام رئاسي .مركز الثقل غير المعلن في النظام هو رئيس الجمهورية .وكان يمكن ان يكون الحال على النقيض لو تم انتخاب شخص آخر غير الرئيس السبسي .

مثلا لو كان المرزوقي لاختلف الأمر. ولكان الذين يدعون اليوم الى تنقيح الدستور نحو مزيد من صلاحيات رئيس الجمهورية يرقصون على انغام النظام البرلماني . وهذا بالفعل هو الرقص على الحبال . والمشكلة في تونس أن الفكر السياسي المهيمن لم يتغير . تغيرت نصوص الدستور .لكن الفكر السياسي لا يزال يشده الحنين الى الماضي .كما يهزه الحنين الى تماثيل بورقيبة .

*يلفت النظر في سياق تحولات نظام سياسي في مرحلة انتقال بتونس تلك العلاقة بين حزب نداء تونس والرئيس السبسي من جهة وبين حزب النهضة الذي عاد بمثابة الحزب الأول في البرلمان .. ما هي رؤيتك لتلك العلاقة وبخاصة بعد تمرير قانون المصالحة الإدارية هذا الشهر ( سبتمبر 2017)؟

ـ بعد حوار الرئيس السبسي مع جريدة "الصحافة " هذا الشهر والذي تضمن رسائل غير إيجابية تجاه النهضة وبعد تمرير قانون المصالحة عاد الرجل إلى مغازلة النهضة . هذا جفاء أيام يعقبه غزل مجدد. وقال أنه لن يبادر الى طلب تعديل الدستور .لكنه ترك الأمر للنواب . ولم يعلن رفضه مبدئيا للتعديل. ونظريا تظل إمكانية المبادرة في يد ثلث نواب البرلمان أو رئيس الجمهورية لتعديل الدستور ومنح صلاحيات أكبر للرئاسة . لكن لنلاحظ أن رئيس الجمهورية صرح أخيرا انه لن يبادر . وهذا أمر معهود في تونس من قبل و تشير إليه سوابق تعديل الدستور .

في عام 1975 تمت المبادرة بتعديل المادة 39 من الدستور القديم لعام 1959 من جانب النواب بعدما قبل الرئيس بورقيبة بمبدأ الرئاسة مدى الحياة في مؤتمر الحزب الدستوري الثاني عام 1974. ويمكن ان تأتي الآن المبادرة من النواب .لكن هل ستمر ؟. خاصة وأن الأغلبية المطلوبة هي الثلثان . أنا لا اعتقد بتوافر هذه الأغلبية لأنها مسألة مصيرية بالنسبة الى عدد من الأحزاب، بما فيها حركة النهضة . ومع العلم انه لا يمكن المبادرة لتعديل الدستور في غياب المحكمة الدستورية والتي لم يتم ارساؤها بعد . فهذه المحكمة هي المدعوة دستوريا للنظر فيما لا يجوز تعديله وفي صحة إجراءات التعديل. ولا يمكن اللجوء الى الاستفتاء كما يدعو الى ذلك البعض. إلا أن يكون البرلمان قد صادق على مشروع التعديل . فالاستفتاء لاحق لمصادقة البرلمان .وإذا رفض البرلمان مشروع التنقيح لا يمكن اللجوء الى الاستفتاء طبقا للفقرة الأخيرة من نص المادة 144 من الدستور .

*اللافت بعد الثورة وفي ظل الدستور الجديد أن مبادرة التشريع ظلت في يد الحكومات أي السلطة التنفيذية ونادرا ما تأتي المبادرة من داخل البرلمان …

ـ الأمر هنا لا يقتصر على تونس . في معظم دول العالم أكثر المبادرات التشريعية تأتي من السلطة التنفيذية، بما في ذلك الدول الأوروبية . وهذا نظرا لأن السلطة التنفيذية تتوفر على خبراء وجهاز اداري قادر على اعداد مشاريع القوانين .لكن أعضاء البرلمانات في العالم يمارسون مبادرة غير مباشرة بإدخال التعديلات على مشروعات القوانين التي تتقدم بها السلطة التنفيذية. و للأسف في تونس عديدة هي مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب ولم يتول مكتب البرلمان عرضها على اللجان ثم على الجلسة العامة .وفي هذا المجال يمكن التذكير بظاهرة يكاد ينفرد بها النظام في تونس تقريبا .وهي أولوية النظر الممنوحة لمبادرات السلطة التنفيذية . وهي صيغة موروثة عن دستور 1959. والقضية أيضا هي أن عديد النصوص يتم الاتفاق عليها مسبقا بين نداء تونس والنهضة وتمر تقريبا بنفس عدد الأصوات ( ما بين 114 إلى 120 من اجمالي أعضاء البرلمان الـ 217). وهذا في اطار صفقات بين الحزبين الأكبر في البرلمان . هي صفقات تجرى تحت جنح الظلام .

*ثمة حديث طويل عما يسمي بـ"العوار الدستوري والقانوني" في قانون المصالحة الإدارية... ما رأيكم ؟

ـ "الهيئة الوقتيه للنظر في دستورية القوانين" كانت في عام 2015 قد أقرت مبدأ أنه لا يجوز للجنة التشريع العام في البرلمان أن تغير من مشروع القانون الذي تقدمت به السلطة التنفيذية الى مشروع آخر .وهذا عندما نظرت الهيئة في الطعن على دستورية القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء . وحقا فإن الجلسة العامة هي المخولة بالتعديل وليس لجنة التشريع العام كما جرى في قانون المصالحة .

وما حدث بالنسبة لما يسمى بقانون المصالحة أن مشروع القانون الذي يعود تاريخ تقديمه الى عام 2015 صار مشروعا لقانون المصالحة الإدارية بعد أن كان مشروعا يتعلق بالمصالحة بوجه عام، و بما في ذلك الاقتصادية والمالية . وأكثر من هذا ، فإن رئيس الجمهورية في حواره بالتلفزة قال انه لم يتقدم إلا بالمشروع الأول وأن لجنة التشريع العام هي التي تولت تعديله . وهذا إقرار منه بأن المشروع تم تغييره. وفضلا عن هذا فإن البرلمان المنعقد في دورة استثنائية ما كان عليه ان ينعقد على هذا النحو المخالف للدستور .وهذا لأن البلاد في حالة الطوارئ .

وهي تدابير استثنائية اتاحها الدستور لرئيس الجمهورية . إذن فالبرلمان في حالة انعقاد دائمة طيلة فترة الطوارئ. فكيف يمكن دعوته الى الانعقاد .هذا كمن يدعو الجالس الى الجلوس أو الواقف الى الوقوف (!). وإلى جانب كل هذه المسائل الإجرائية ، فإن هذا القانون الذي جاء بعفو مقنع لا بمصالحة يخالف الدستور وبخاصة في الفصل 110 الذي ينص على منع احداث محاكم استثنائية أو سن إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبدأ المحاكمة العادلة . وهذا في حين ينص هذا القانون على احداث هيئة مركبة من قضاة تتتبع إجراءات إدارية موجهة .وإذا كانت المحاكم الاستثنائية هي محاكم جزائية فلا شيء يمنع من اعتبار هذه الهيئة التي نص القانون على احداثها استثنائية .وهناك خرق آخر لنص المادة 108 من الدستور التي تنص على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين .وهذا في حين أن القانون ينص على أن قرارات هذه الهيئة لا تقبل الطعن بأي وجه من الوجوه . وعلى هذا ولأسباب أخرى عدة فإن هذا القانون غير دستوري .وهذا بصرف النظر عن اتفاق أعضاء الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين او الاعتبارات الشكلية المتعلقة بكيفية وطبيعة مقدمي الطعن . وللأسف حينما تتسلل السياسة الى الهيئات القضائية تخرج العدالة من قصور العدالة ( المحاكم ).

*كثير هي القضايا التي أثيرت في صلب صناعة الدستور التونسي وعلى هامشه ومنها الهوية الإسلامية والعلمانية وغيرها ... وانتم طرحتم أولويات إعادة بناء النظام السياسي …

ـ العديد من القضايا مفتعل ومصنوع. ونحن في حاجة بالأساس اليوم الى فكر سياسي ودستوري جديد غير مستورد .وفي حاجة الى بناء ينطلق من المحلي نحو المركز والى القلب من الساعة الرملية والى مركز يكون تأليفا لمختلف الارادات التي يتم التعبير عنها في المستوى المحلي . لذا أنا اقترحت منذ عام 2011 ضرورة البدء بانتخاب أعضاء المجالس المحلية في كل المعتمديات ( مراكز الولايات / المحافظات) بتونس وأولا . ومنها تنبثق مجالس جهوية على مستوى كل ولاية .ومنها يتم الاختيار من يتولى تمثيلها في السلطة التشريعية المركزية .

*كان هناك جدل في تونس بعيد الثورة مباشرة عن ضرورة إعادة التوازن المختل بين دولة مهيمنة قامعة وبين المجتمع ... ما هو رأيك ...؟والى اين توجه المسار ؟

ـ مازالت سلطة الدولة بالتأكيد هي السلطة المهيمنة على المجتمع بتونس .تغولت لأحقاب وقرون ومازالت . لكن المجتمعات العربية كسائر المجتمعات الأخرى دخلت مرحلة جديدة من التاريخ . ولا يمكن ان يستمر هذا الوضع على ما هو عليه . قد تنجح بعض الأنظمة في الإبقاء على هذه السلطة المركزية المتغولة. ولكن إلى حين . وهذا الأمر لا يتعلق بالدول العربية وحدها . بل بعديد من الدول الأخرى . لا حظ الاحتجاجات في اليونان والبرتغال والبرازيل التي اتخذت شكلا جديدا غير تقليدي وغير مألوف وخارج الأحزاب والأطر المعتادة بوجه عام . هناك مرحلة جديدة في تاريخ الإنسانية بدأنا الدخول اليها .وبالتأكيد لن تبقى الأوضاع هنا وفي المجتمعات العربية على ماهي عليه في قادم السنوات .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات