النظام الرئاسي القديم وأصوات "الفاشية الرثة التابعة"

Photo

منذ دستور 1861، الذي "أبهرنا" به أيضا العالم العربي والإسلامي على الورق من دون تطبيقه، إلى غاية دستور 2014، مرورا بدستور الجمهورية الأول سنة 1959، لم نكتسب، كتونسيين وتونسيات، ثقافة احترام الدستور أساسا لدولة القانون والمؤسسات والمواطنة بمعاييرها الحديثة.

لننظر الى مدى احترامنا لدستورنا الأخير الذي كاد يحظى بالإجماع ذات مجلس تأسيسي، رغم هناته الكثيرة من النظام السياسي المزدوج المربك الى تناقضات المبادئ العامة في الحقوق والحريات ("بين الحداثة والأصالة").

المسألة لا تقتصر على عدم استكمال المحكمة الدستورية التي تجاوزنا الأجل الدستوري لإحداثها، عبر جلسات وتفاهمات وحسابات برلمانية فاشلة مرارا وتكرارا، وقد كان يفترض أنها ستقلص مما شهدناه ولا نزال من عبث سياسوي ومصلحي وحزبي ضيق في تأويل الدستور، الى جانب مهامها الأخرى الهامة التي تم غض الطرف عنها بحكم الامر الواقع في أكثر من مناسبة مثل إقرار الشغور النهائي.

ولنذكر، على سبيل المثال، بشعار الجمهورية مع كل رمزيته بالنسبة الى مؤسسات الدولة وأعوانها الحاملين للشعار وبالنسبة الى ما أسميناها في ديباجة الدستور "ثورة الحرية والكرامة"، لماذا بقي طيلة ست سنوات وفي ظل عدة رؤساء وبرلمانات وحكومات، بلا "كرامة"، على خلاف ما ينص عليه الفصل الرابع من الدستور؟

وبعد ست سنوات لماذا لم يتم إرساء المجلس الأعلى للجماعات المحلية (الفصل 138)، وقبله مجالس الجهات ومجالس الأقاليم؟ رغم أهميتها بالنسبة إلى معضلتنا التنموية والاجتماعية المتعلقة بالتوازن الجهوي وبالنسبة الى تجذير السلطة المحلية كما ينص عليها الباب السابع من الدستور.

وبعد ست سنوات لماذا لا يزال الوعي السياسي، لدى الكثير من السياسيين والسياسيات والمثقفين والمثقفات، مشدودا الى النظام الرئاسي القديم الذي عانينا في تونس والأقطار العربية من انحرافاته الفجة والبشعة نحو الحكم الفردي والعائلي طيلة ستين عاما، ناهيك أن أصوات "الفاشية الرثة التابعة" (لا يمكن الحديث عن "فاشية محترمة" في دولة بلا طموحات واقعية لموقع عالمي) أصبحت اليوم عندنا، وفي ظل ديمقراطيتنا الناشئة، هي الأقوى والأقدر على الإقناع والتأثير الشعبي والنخبوي (لا فرق)، رغم أنف الدستور المغلوب على أمره قبل اكتمال تطبيقه، إلى درجة العبث بتأويله بل تحويل وجهته على يد المسؤول الأول عن احترامه، ولو أن لنا سوابق تونسية عديدة من مواقع أخرى تؤكد قدرة بعض خبراء القانون الدستوري على "ليّ عنكوش" البلاغة الدستورية حسب الظرف والطلب والأمل، وهم بالتأكيد "الأقدر" على ذلك.

ملاحظة تاريخية غير تونسية: منذ عشرين عاما، في مثل هذا اليوم تقريبا، تم تنقيح طريف لدستور إحدى "الجمهوريات العربية المسلحة" في المشرق النموذجي لبعضنا، وهي الى اليوم تنعم بالحرية والتقدم والنماء والسلام وخاصة بالوحدة والسيادة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات