لا يمكن بحال مقارنة جامعيّ كلّ شيء يدلّ على نزاهته ومافيوزي كلّ شيء يدلّ على خطورته….

Photo

صعود نبيل القروي وقيس سعيّد علامة مأزق شامل آل إليه ما يسمّى الانتقال الدّيمقراطي. وعناصر المأزق ضعف الأحزاب والهيئات الدّستوريّة (كل شيء يتجاوزها تقريبا، ولولا ذلك ما كان نبيل القروي يكون مرشّحا من الأصل، وليس وحده طبعا).

لقد انتهى "النّداء التّاريخي" إلى حقيقته العميقة، وفاق إجرامي خلفه رجل عصابة ألبس الرّئيس المرحوم "روبة الرّئاسة"، وصار اليوم يريدها لنفسه.

في الجهة الأخرى آلت مطامح أجيال من معارضي الاستبداد والفساد إلى شخص يجسّم بالكامل جميع مشكلاتهم : أفكار غامضة وشعارات وطهرانيّة تكشف عن عجز مدقع عن تخيّل آليّات السّياسة في وضعيّة محدّدة.

لكن عمليّا هذا الموجود. وعمليّا في المأزق توجد بعض خطوط تمايز مهمّة. لن أتحدّث في تقييم الأشخاص. ففي هذا الباب لا يمكن بحال مقارنة جامعيّ كلّ شيء يدلّ على نزاهته ونظافة يده وسيرته ومافيوزي كلّ شيء يدلّ على خطورته.

أتحدّث عن الأوزان السّياسيّة، وهل نحن بحاجة إلى رئيس ضعيف أم رئيس قويّ؟ ومقياس القوّة والضّعف هنا في علاقة بالحرّيّات وبديمقراطيّة لم تتأسّس بعد. لكنّها ما تزال ممكنة.

قيس سعيّد له ميزة أنّه سياسيّا لا يزن شيئا تقريبا. فهو ظاهرة انتخابيّة لا تزن أكثر من عدد الأوراق المصوّتة له، وعلاقته بالدّولة العميقة معدومة. هذا يعني أنّه في موضع الرّئاسة سيكون مضطرّا منذ اليوم الأوّل إلى ترك شعاراته جانبا. فبرلمانيّا مهما كانت التّوقّعات من المحال أن يجد حزاما برلمانيّا متماسكا يسانده ويمرّر ما يريده. وبما أنّه ليس من نوع السّبسي فهامش مناوراته للتّحايل على الدّستور محدود جدّا.

هل سيكون إن نجح رئيسا ضعيفا؟ قطعا نعم.

هل تحتاج تونس في وضع قصر قرطاج ما بعد السّبسي إلى رئيس ضعيف؟ رأيي نعم.
لنتذكّر أنّ السّبسي، وهو في أرذل العمر ويعمل يوميّا ساعات معدودات جعل في مستوى العمل النظام رئاسيّا، ومرّر قانون المصالحة مع اللّصوص، وعرقل العدالة الانتقاليّة، وأطلق مبادرة تشريعيّة قسمت التّونسيّين وما تزال (بغضّ النّظر عن عدالة مضمونها).

نبيل القروي، وهو أحد كبار مَن صنعوا السّبسي (إن لم يكن الأكبر على الإطلاق) أقوى سياسيّا وإعلاميّا وماليّا وانتماء إلى "دواليب الدّولة" بمرّات من قيس سعيّد. وله حزب مرشّح لتكون له كتلة قويّة (ضمن إحدى المرتبتين الأولى والثّانية). وهذا يعني ببساطة قدرة جاهزة للسّيطرة على القصبة بعد السيطرة على قرطاج. وهذا يعني أيضا خطورة (لها سوابق في سيرته القريبة) على الهيئات الدّستوريّة ومكوّناتها. وهي هيئات بين ضعيفة ولم تقم بعد ممّا يجعل مجال عمله على إنهائها أو إفراغها نهائيّا من كلّ فاعليّة أمر ممكن.

في النّهاية يكاد يختزل الخيار في رئيس ليس له مستقبل سياسيّ، ولا يمثّل خطورة على الدّستور وهيئاته والنّظام السّياسيّ (الشعارات جرّبها غيرُه وعرف مآلها في السّلطة) أي رئيس منفعته جوهريّا هي أنّ احتمالات أن يحدث أضرارا في مسار ديمقراطي قابل للتّطوير معدومة تقريبا؛ ورئيس في أوج قوّته، ويمثّل مخاطر حقيقيّة يمكنها أن تعصف بالنّظام السّياسيّ وبقواعد ديمقراطيّة مازالت هشّة إلى أبعد الحدود.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات