البرلمان أو المارون بين الكلمات العابرة

لاحظ متابعون للشأن العام والبرلماني تحديدا " تصعيدا في الخطاب " من قبل نواب البرلمان الذي يشتغل بالرؤية عند اقتراب مناقشة قانون المالية وميزانية الدولة وبالحساب عند دراسة اتفاقيات القروض والمصادقة عليها .

ما لفت هو بعض المداخلات الحادة تجاه ( النظام ورأس الدولة ، الأجنحة المحيطة به ، الحكومة ) وتحول بعض البرلمانيين إلى أصوات معارضة أشد راديكالية مما تبقى من معارضة مهمشة في الفضاء العام والإعلام ، واستعمال قاموس مشحون وأحيانا عاطفي يحس ب" الشعب " المغلوب على أمره طيلة عشريتين : سوداء ووردية وفق المعجم الدلالي المتواتر .

ما السر في ذلك يا ترى حسب سؤالنا في الأقسام الابتدائية ؟

طبيعة النظام السياسي فمنذ انتخابات 2022 يدرك النواب قبل غيرهم أن تأثيرهم التشريعي محدود جدا وصلاحياتهم لا تتجاوز المقعد الذي يجلسون فوقه لذلك يتحول الخطاب الناري الحنجوري إلى وسيلة لإثبات الوجود وإعلان الذات البرلمانية والسياسية .

هناك ما يشبه " حالة السعادة " في عدد من البرلمانات وأساسا العربية عند غياب المعارضة البرلمانية بمعناها الصحيح فيصبح هنا البرلماني مواليا ومعارضا في نفس الوقت وهي حالة سريالية بامتياز وهنا يمكن تدوير ذلك السلوك التونسي المتعارف عليه 《 أنا مع ولكن 》 ففي البرلمانات الصحيحة الأبيض أبيض والأسود أسود ولا مجال للتحرك فوق مربعات الابتزاز الاستراتيجي .

غياب كتل قوية أو معارضة وحالة التشتت التنظيمي والغياب شبه الكلي للأحزاب في البرلمان يجعل من النواب في سباق حواجز صوتية و " شكون يعلي أكثر " بمنطق كرة القدم في البطحاء البرلمانية .

ومن خلال هذه الخطابات الساخنة في جوهرها الباردة في تأثيرها يتم السعي إلى الاستثمار الإعلامي فيها حيث يصبح الجمهور الافتراضي اكثر من جمهور القاعة وما جاورها ومنها يحاول " النائب المنتخب " تدوين إسمه في تاريخ المحتجين على هذه المنظومة وأن التاريخ لن يرحم من لم يفهم لحظته وفق الفلسفة الهيغلية .

هناك ثقافة سياسية جديدة انطلقت من :

البرلمان الموالي والمعارض في الآن نفسه وانتقلت إلى أحزاب ونخب خارجه وإعلام ومؤسسات وأشخاص عاديين وهي المعارضة في الخطاب لا داخل المؤسسات وهي حالة سياسية عجائبية لا دواء لها تقترب من توصيفها بالمعارضة اللغوية التي لا علاقة لها بالفكر والسياسة وستكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل أي مسار ديمقراطي ليبيرالي .

هناك جملة مداخلات " نارية " تتحدث في صلب ما تواجهه البلاد أو تعيشه واقعا ( غياب محكمة دستورية ، قضاء مدجن ، إعلام عمومي دعائي ، فساد ، تعطل مشاريع ، غياب تنمية ، بطالة ، فقدان مواد أساسية الخ الخ الخ ) لكن يهيمن عليها في الخط نفسه خطاب المؤامرة كإطار ذهني وهو الخطاب الذي يعطي الأريحية لمن يقوله في إطلاق التهم ورمي كرة المسؤولية حيثما شاء ووقت ما استدعت الحاجة دون عناء .

أخيرا خطابات هؤلاء البرلمانيين تضع عددا من المحسوبين في وسائل الإعلام والمؤسسات والمؤيدين لهذا المسار في موقف حرج جدا باعتبار أن " طبلهم " صار أجوف زمن هذه الهبة البرلمانية غير المسبوقة في التاريخ والصراحة مع " روح الشعب " ، هذه الكلمة التي سخر منها كثيرا عدد من شعراء تونس .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات