بناء سجون جديدة ليس خبرا سلبيا بحد ذاته. ففي دول تتمتع بثقة المواطنين في مؤسساتها، كان من الممكن استقبال هذا القرار كإشارة إصلاحية، ورسالة تفيد بأن الدولة تهتم بظروف الاحتجاز وبكرامة الإنسان، في ظل الاكتظاظ والظروف السجنية الصعبة وطول فترة الإيقاف دون محاكمة.
لكن في حالتنا، تحوّل الخبر بسرعة إلى موجة من السخرية والقلق، وأعاد الجمهور تأطيره ذهنيا بطريقة سلبية.
لماذا؟ لأن المواطن لا يقرأ بناء السجون على أنه تحسين لظروف السجناء، بل يتلقّف الرسالة في شكل تساؤل:
• "هل الدولة تستعد لسجن المزيد؟"
• "هل الدولة تستعد لمرحلة أشد؟"
وهو منطق طبيعي في بيئة مشحونة سياسيا واجتماعيا وقضائيا، حيث من المنطقي أن تطغى على الخبر رمزية السجن كأداة للردع، وليس كوسيلة للإصلاح وأن تتم إعادة تأطير الخبر تلقائيا في ذهن العامة ضمن إطار الخوف السياسي والاجتماعي.
في المخيال الاجتماعي التونسي، سواء أحببنا ذلك أم لا، يُنظر إلى السجن كأداة قوة تستخدمها الدولة ضد المواطن، وليس كمؤسسة لإعادة التأهيل والإصلاح وإقامة العدل.
وحين تكون الذاكرة الجماعية محمّلة طويلا بالقمع، والسياق السياسي ضبابيا، والرواية الرسمية حول السجون ناقصة، والواقع الحقوقي مقلقا، فإن أي خبر عن بناء سجن يُقرأ على أنه تعزيز لأدوات الدولة القمعية، وليس تحسينا للظروف السجنية، ويُرى بناء السجون كمؤشرا على احتمال زيادة الضحايا ضمن منظومة لا يثق المواطن في عدالتها.
فانعدام الشعور بالأمان القانوني يجعل كل رسالة تتعلق بالسجن تُفسّر كتهديد ضمني، ويتحول تلقي قرار من المفترض أن يكون خدمة عامة إلى خوف شخصي.
المواطن يتعامل مع منظومة عدالة يراها مختلة من أساسها، لا تحتاج فقط إلى المزيد من السجون، بل إلى إصلاح جذري وشامل. وبدون إصلاح حقيقي، سيستمر تلقي أي خبر عن بناء وحدات سجنية جديدة كرسالة مفادها:
"الدولة لا تحسّن سجونها… بل تستعد لملئها"