صبر المغاربة نفذ أمام منهجية الاستفزاز

ما حدث ليلة الأمس من أعمال عنف وشغب ومواجهات بين رجال الأمن وعدد من الشباب في بعض المدن يدعو للقلق والخوف من تغييب الحكمة من طرف المسؤولين في التعامل مع وضع الاحتقان الذي يعيشه المغرب.

إن دعوة شباب (Gen Z) للتظاهر للتعبير عن الاحتجاج والغضب مما آلت إليه أوضاع قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، مضاف إليها استنكار الفساد، لم تفاجئ إلا في شكلها وأسلوبها...أما توقع وقوعها، فغير مفاجئ البتة لمن يتابع ولمن يكتوي بنار آثار السياسات في هذا البلد السعيد.

مسلسل الاحتقان بدأ منذ مدة طويلة، والجميع كان يستشعر أن الأوضاع المؤدية إلى الغضب تتفاقم وتتزايد حدّتها...أي بكلمة، كنا جميعا نعرف أن الوضع في المغرب يقع على صفيح من نار.

مؤشرات عدم الرضى بدأت منذ مدة طويلة...أي منذ اتضح الالتفاف على الدستور الذي تمخضت عنه لحظة فارقة، هي لحظة 20 فبراير، والذي كان من المفروض أن يشكل بداية انتقال لأخذ الأمور بالجدية التي تستحقها...لكن، اتضح بالملموس، أن "الدولة العميقة" أو "المخزن" أو "الأوليغرشية" أو "المنظومة التي تجمع كل هذا"، والتي يمكن وضعها تحت عنوان: أصحاب النفوذ والامتيازات الذين يستقوون بالقرب من مربع الحكم مع إمكانية توظيف الأمن ووسائل عنف الدولة لصالحهم ولصالح مصالحهم ولصالح امتيازاتهم ولصالح ريعهم…بل وفسادهم وثرواتهم المتراكمة بالفساد والإفساد…اتضح أن لها رأي آخر وخطة أخرى واستراتيجية أخرى.

هؤلاء وبوضوح، عاثوا في البلاد فسادا وخرابا …وتصرفوا دائما بغير قليل من الاستهزاء وبالكثير من الثقة في النفس التي تعني أن بمقدورهم التحكم في كل شيء…في الأمن، والصحافة، والنخب الحزبية والمدنية…في الانتخابات وقانونها وكوطتها النسائية وطريقة تدبيرها ومضامينها ورسائلها التواصلية والمال السايب المخصص لها وشراء الذمم المرتبط بها وفي النهاية ما تتمخض عنه من نتائج متحكم فيها مسبقا…والتي تخدم في النهاية مصالحهم والقوانين التي تحمي امتيازاتهم، وفي نفس الآن تؤدي رسالتها التواصلية المرتبطة بديمقراطية الواجهة.

هؤلاء وبوضوح، قالوا لنا بيقين كبير أننا سنتصرف كما يحلو لنا…"واللي دوا يرعف"….وهو ما ترجموه عمليا:

ماذا يعني، اعتقال الكثير من الصحفيين (الاستقصائيين) والتشهير بهم وبالعديد من المناضلين والحقوقيين والمدونين؟

ماذا يعني، تأسيس عدد من المنابر والمواقع الإعلامية التي تقضي جل وقتها في "التبركيك" والبحث في الحياة الخاصة لكل صوت نقدي أو معارض وإغراق الفضاء الإعلامي وإفساده وإبعاده عن مهامه الحقيقية؟

ماذا يعني، تشكيل أغلبية حكومية وأغلبيات في الجماعات والجهات من نفس الألوان الحزبية المعروفة أصولها وجيناتها وفبركتها في المختبرات إياها مع التحاق حزب الاستقلال بها حينما فقد زمام أموره الداخلية ومُلأ عن آخره بالانتهازيين من كل الأصناف والأنواع؟

ماذا يعني، أن هذه الأغلبية، ولأربع سنوات لم تتقدم خطوة واحدة في التصدي للقضايا الحارقة للبلد وللمجتمع؟

ماذا يعني، أن هذه الأغلبية استثمرت كل وقتها وجهدها في إنتاج خطاب لا يعكس نهائيا ما تقوم به عمليا؟ (خطاب براق لسياسات كارثية)…خطاب الهدف منه تزييف الوعي بل الكذب الفاضح الواضح.

ماذا يعني، تحديد أولوية الأولويات وصرف ميزانيات ضخمة على ملاعب الكرة والرياضة، في الوقت الذي تعاني فيه قطاعات حيوية من اختلالات عميقة؟

ماذا يعني، إقالة رئيس مجلس المنافسة بعد إصداره لتقرير يضع الأصبع في مكمن الداء الذي عنوانه زواج المال والسلطة…والذي يحمل اسما هو اسم مركب أخنوش "ورباعتو" الذي هو في الآن نفسه رئيس الحكومة؟

ماذا يعني إقالة رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربة الفساد بعد أن أصدر تقريرا يضع الأصبع على مؤشر الفساد الذي تزايد بشكل مقلق؟

ماذا يعني أن صفقات كبرى يتم تمريرها لمسؤولين حكوميين من مستوى عالي في مراتب المؤسسات الحكومية (صفقة تحلية المياه)؟

ماذا يعني أن يلُوح وزير العدل في هذه الأغلبية باعتماد نص قانوني يحرم ويمنع الجمعيات من الترافع ضد الفساد والانتصاب كطرف مدني…ومقابل ذلك يرفع نفس الوزير دعوى ضد رئيس جمعية مناهضة الفساد وتقديمه للمحاكمة بتلفيق تهمة خيالية؟

كل هذا وأكثر منه، أدى إلى احتقان كبير وغضب أكبر …خصوصا مع الزيادة الصاروخية في أثمنة المحروقات وفي المواد الغذائية الأساسية (بما فيها البطاطيس، الأكلة الشعبية اليومية لمغاربة الهامش).

علامات الاحتقان كانت بادية بارزة، وانتقلت للتعبير عن نفسها بشكل هادئ ومسالم..

على سبيل المثال، مسيرة مواطني ومواطنات آيت بوكماز في عز قيظ شهر غشت كانت أوضح دليل على أن صبر الناس قد نفذ، مع الحرص والتشبث بالسلمية والهدوء…ورفع صور الملك بما ترمز إليه من معاني التوجه إليه بصفته الحكم الذي يحتمي الناس به ويثقون في قدرته على حمايتهم من المظالم.

طفح الكيل، وبدأ الناس يخرجون للاحتجاج عن سوء بل وغياب الخدمات الصحية (أكادير، تاونات…الخ).

بدل التعامل بجدية، تتصرف الحكومة ويتصرف أصحاب القرار وكأن شيئا لم يقع…بل نتذكر لغة التعالي والاستهزاء التي استعملها أخنوش مع مسيرة ايت بوكماز.

صبر المغاربة نفذ…وأصحاب القرار وحدهم يتحملون مسؤولية ما يمكن أن يقع من تجاوزات وأعمال عنف التي لا يقبلها أي عاقل يريد الخير للمغرب والمغاربة.

رفضتم بوضوح الأخذ بعين الاعتبار للعديد من مؤشرات الغضب القادم، وتعاملتم باستصغار واحتقار وبلادة مع معاناة الناس.

صبر المغاربة نفذ، وها هم لا زالوا يؤكدون تشبثهم بالملكية، ولا زالوا يتعاملون بالتوقير والاحترام للملك…ولا زالوا يؤمنون أنه بالإمكان إنقاذ البلد كي لا يدخل، لا قدر الله في موجات عنف، لا أحد سيخرج منها رابحا…بل الجميع سيخسر خسارة فادحة.

لا تحملوا المسؤولية لشباب غاضب، متخلى عنه، غارق في البطالة والعطالة والأمية، دون أي افق…هذه مسؤوليتكم يا سادة، يا أصحاب القرار

لم يعد ممكنا الاستمرار في "صم الآذان" وتهريب المسؤولية إلى جهة ما…المسؤولية هي مسؤوليتكم…إما أن تلتقطوا الدرس وإلا ستحتدم الأزمة ويصبح من الصعب تداركها.

فانصتوا يا أولي الألباب…واطرحوا مبادرة سياسية حقيقية، قائمة على إرادة حقيقية للإصلاح والاستجابة للمواطنين وليس الالتفاف والتسويف والتحايل.

انقذوا البلاد بالحكمة ولا تغرقوها بالاستفزاز

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات