التاريخ يسير بأدوات وحلول تعمل في حقله وراء أقنعة ، أدوات لها أسماء وتستهدف حلولا ، وقد تصطدم الأدوات بحلولها كما حصل على الساحة السورية طوال سبعة عقود من حكم الحزب الواحد وستصطدم ببعضها مرة أخرى اذا تم ابتلاع السلطة السورية الجديدة للنظام السياسي والدولة تحت أي راية بما فيها الإسلام .
والسياسة هي معاينة وإعادة معاينة مستمرة لتلك الحلول وأدواتها لاكتشاف المساحات المشتركة وغير المشتركة بين التمثيلات السياسية والثقافية السورية .
لا معنى ليسار ويمين وإرهاب وتكفير وعلمانية وحداثة .. الخ إلا ضمن حقولها التي تعمل بها . فقط على السوريين اكتشاف رؤى تفاوضية والانتقال بالمسألة السورية من حدود وجودية محكومة بالخوف لدى البعض الى التحام المساحات المشتركة تمهيدا للإقلاع .
السوريون فجِّروا أسئلة تجاوزت بكثير القدرات المجتمعة لنظام البعث الأسدي وحلفائه ومعارضيه والبنى المذهبية التي تنخر أساسات الجميع معا ، أسئلة طالت كل الأسماء وعرّت "اسمانية" الخطاب السياسي لليسار خصوصا .
أسئلة تتعلق بالهوية والوجود وإعادة التموضع بالتاريخ لمفاهيم الأغلبية والأقلية ، توجس الأقليات العددية والالتباس الكبير الناجم عنه ، تردد الطبقة المتوسطة ، خيانة الشرائح الاجتماعية العليا التي تكونت في ظل الدولة الأمنية ، سقوط مفهوم الدولة كحالة مُبتلعة وسقوط مروع للمؤسسات ذات الطابع السيادي المعنية بحماية الدولة والمجتمع ( المؤسسة العسكرية والأمنية) .
انتصر السوريون جزئيا بسقوط ماكينة الاستبداد الأسدي وبدأت أسئلتهم تحفر بحثا عن أجوبتها .
الحداثة التي نهضتْ على صمت وترفع اليسارويين والعلمانويين والحداثويين خلال أربعة عشر عاما من انتهاك جسيم للأغلبية السورية وقادتهم الى ضفة القاتل رغم المأثرة الماركسية الثمينة التي تقول : التقدم جوهريا يقتضي "التعيين الملموس لواقع ملموس" لكنهم آثروا القياس الى مسطرتهم وهنا تبرز مقولة ماركسية أخرى تقوم بفضحهم : " التاريخ يسير مقنّعا" !
الحداثة مفهوم متعالٍ ، ضبابي ، ملتبس ومقنَّع يختبئ وراءها الحكام المستبدون وملوك الطوائف من اليسار واليمين والشيوعيين واللادينيين ، أدونيس نموذجا ! وهي نموذج عزيز لدى نخب الاستبداد العربية الحاكمة وكثير من المفكرين الذين آثروا الهروب الى مسطرة ثورية يقيسون الواقع عليها وثمة عامل ثقافي عميق ومخفي في لاوعيهم يقوم بكتابة التاريخ المزور .