عند أعتاب الطاغية

أتشرّف، سيّدي، بأن تعتبرني ومنذ هذه اللحظة، آلة أو أداة من أدواتك تستعملها كما تشاء وفيما تشاء. لقد أخذت إِحتياطي مسبقا، ورميت عقلي في أحد الثقوب السوداء المنتشرة على جنبات الطريق المؤدية الى قصرك. مكانه وضعت آلة كمبيوتر يابانية الصنع تبرمجها كما تشتهي : جروك المفضل، مخدة ملاكمة متينة، أو جارية مغناج تتسرى بها في لياليك الموحشة.كل ذلك بكبسة زر.

لن أعارض.لن أفتح فمي بكلمة ''لا'' أبدا. فمنذ اللحظة مُسحت الكلمة من ذاكرتي. سأرى الحقيقة بعينيك، وأشم الروائح بمنخريك، وأسمع وقع الحياة بأذنيك. سيكون بمقدورك أن تلبسني متى أردت.

سأكون مستشارك الأمين الصادق، فلن أشير عليك إِلا بما تريد، بحيث لن تسمع إِلا صدى صوتك، ولكن بنبرة مختلقة لتزداد اقتناعا بأنك الصواب المطلق.

سأكون مفرخة أيضا، بحيث يكون بإِمكانك أن تُفرّخ أعدادا لا نهائية من أمثالي تبرمجهم كما تريد وتشتهي، وترسلهم أنّى تريد…

ستستعملني سجّادا ومماسح أقدام أمام قصرك أو خلال مراسم استقبال أصدقائك الكثر من أصحاب المراعي الواسعة، كما سأفترش الأرض عند إِقامة ولائم الغداء والعشاء - والإِفطار في رمضان - التي تعود دائما بالخير على المراعي وساكنيها…

وعندما تملّني وتملّ خدماتي، فبإِمكانك أن تجمع قاطني المراعي جميعهم، لتقيم لي محاكمة تدينني فيها بالخيانة والعمالة والردّة، وتحكم عليّ بالموت بأي طريقة أحبّ الى قلبك، ثم تنفّذ فيّ الحكم على رؤوس الأشهاد، لتبيّن للعامّة مقدار عدلك وحزمك وجبروتك، فأكون عبرة لمن يعتبر ولمن لا يعتبر.

هذه إِمكاناتي المتواضعة أضعها في خدمتك، سيّدي، فتُرى ماذا سيكون جوابك ؟

'' حزّوا عنقه! ان هذا النكرة يخاطبنا بصيغة المُفرد''.


* من كتاب هشام البستاني '' عن الحب والموت''. قصص قصيرة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات