في ذكرى المصادقة على دستور ثورة الحرية و الكرامة.

إلى أصحاب النوايا الحسنة ممن صدَّقوا أن الوصول إلى مجتمع الرفاه و دولة العدالة يمر حتما عبر التخلص من دستور جانفي 2014. دستور 2014 هو قطعة من أفئدة الأحرار و الحرائر من أبناء هذا الوطن. هو نتاج لمراكمة الفعل النضالي الناشد للإصلاح السياسي و الاجتماعي و الثقافي على مر عقود طويلة. هو نتاج تضحيات أجيال من الصادقين و الذائدين عن الحرية و الكرامة الإنسانية و العدالة الاجتماعية في هذا الوطن.

صاغه المؤسسون رجالا و نساء وهم يشتغلون تحت قصف يومي لا ينتهي و قد وضعوا نصب أعينهم هذه التضحيات و استحضروا دماء الشهداء و دموع الأمهات و أحلام المهمشين و ٱمال الوطنيين. صاغه المؤسسون و هم ينصتون للجميع دون استثناء ( الٱلاف من المواطنين و المواطنات في كل أنحاء الوطن و خارجه...المئات من الجمعيات المدنية و المئات من الخبراء و الأكادميين، و منهم السيد قيس سعيد نفسه.)

هو نتاج جهد و تضحيات حال و لا يزال دون الإقرار بها عمق الاصطفاف و عنف الإرث الاستبدادي و لكن يقيني أن التاريخ لا محالة منصف هؤلاء. هو نتاج عقول اجتهدت فبحثت و ناقشت و حاورت و أنصتت و اقترحت و توافقت فكان عقدا سياسيا و اجتماعيا التقى حوله الجميع إلا من أبى.

دستور جانفي 2014 ليس منحة من أحد بقدر ما هو جهد جماعي و تعبير عن حقيقة المشهد التونسي المتشوق للحرية و للقطع مع الاستبداد و المتطلع إلى مستقبل أفضل تتحقق فيه الكرامة و الرفاه المجتمعي. تكمن قوته في تماهيه مع طلب التغيير و في توصيف طبيعة الدولة و نظام الحكم و التوازن بين السلطات بحيث لا تتغول واحدة على أخرى، و في ضمانه للحقوق و الحريات.

الدساتير وجدت لتدوم و لكن ليس هناك قداسة لدستور و تعديله ممكن إذا ما اقتضت الحاجة شريطة أن يتم ذلك بكل شفافية و عبر الٱليات التي حددها النص المؤسس ذاته و عبر مشاركة وطنية واسعة يتم خلالها الاتفاق حول مواطن بعينها دون المساس بما لم يجز الدستور المساس به، لا أن يتم ذلك استجابة لنزوة صاحب السلطة، مهما علا شأنه، في سعي منه لتطويع النص لرغباته و شهواته و ذلك دأب المستبدين عبر التاريخ.

لا يمكن لدستور أن يضع قدمه على الأرض إلا بتوفر شروط أهمها وجود منظومة (système ) ديمقراطية مكتملة تتكفل بضمان ترجمة النص الدستوري إلى واقع ملموس في حياة الناس تبدأ بحياة برلمانية نشطة تخضع الحكومة فيها للرقابة و المحاسبة و تصدر فيها القوانين وفق الدستور لا بمخالفة أحكامه و بوجود سلطة قضائية مستقلة و هيئات دستورية معدلة و مستقلة و بإعلام وطني حر و فعال و مؤثر و بوجود رقابة مجتميعة و مواطنية منظمة و قوية تكون بمثابة السلطة المقابلة (un contre-pouvoir) للسلطة الحاكمة، و بأحزاب قوية و ناضجة و ديمقراطية، و بترسيخ ثقافة الديمقراطية و المواطنة لدى عموم الناس.

يحيا دستور ثورة الحرية و الكرامة، المجد للشهداء، عاشت تونس حرة مستقلة منيعة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات