لنتوقف لحظة! مقترح بخصوص حماية المبلغين عن الفساد المسكوت عنها.

في غفلة من الرأي العام، وفي ظل الظروف السياسية الراهنة، استفحل الأمر في خصوص وضعية المبلّغين عن الفساد في تونس وتفاقمت الأخطار التي تتهدّدهم والتي وصلت إلى حدّ الانتقام منهم والتنكيل بهم والاعتداء عليهم وحرمانهم من حقوقهم وحرياتهم وخاصة حقهم في العمل وفي الأجر وحقهم في التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقتهم وحتى الزجّ ببعضهم في السجون جرّاء التبليغ عن الفساد وذلك بسبب:

1. تصاعد الأعمال الإنتقامية التي يتعرّضون لها هم وعائلاتهم من قبل الأشخاص والمؤسسات، وخاصة العمومية منها، التي كانت موضوع تبليغ عن الفساد وتمرّدها على القانون وعدم تنفيذها لقرارات الحماية التي تحصّل عليها المبلغون بما في ذلك قرارات الإرجاع إلى العمل ودفع مستحقاتهم المالية ورفع العقوبات التأديبية المقنّعة التي سلّطت عليهم نتيجة الإبلاغ عن الفساد.

2. انعدام وجود سلطة عمومية تتلقى مطالب الحماية وتبت فيها وتسند الحماية القانونية لمن يستحقها وذلك بعد تجميد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (رغم علاّتها) وبالتالي تعليق تطبيق القانون الأساسي المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين (رغم نقائصه)، وعدم الالتزام بأحكام الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها الدولة التونسية والتزمت بتطبيقها.

3. غياب إرادة سياسية تهدف إلى حماية المبلغين عن الفساد باعتبارهم يمثلون الصف الوطني الأول والأمامي في مكافحة الفساد، وبدونهم لا يمكن الحديث عن مقاومة حقيقية للفساد في مجتمع ديمقراطي.

4. غياب سياسة عمومية، وفق رؤية واضحة واستراتيجية علمية، تهدف إلى مقاومة الفساد بشكل منهجي ومؤسساتي وعلمي ويكون محورها الأساسي تشجيع المواطن على التبليغ عن الفساد مقابل توفير الحماية والدعم له ضدّ كل محاولات الإنتقام منه والتنكيل به، وتكون جزء لا يتجزّأ من السياسة العمومية للدولة ويتمّ رصد الأموال لتنفيذها سنويا صلب قوانين المالية، ناهيك وأنّ الاستثمار في مكافحة الفساد هو استثمار مثمر ومنتج ومربح وذو عائدات كبيرة ترجع بالفائدة على المال العام وعلى التنمية بما قدره ما بين 3 و 4 نقاط في الدخل الوطني الخام.

5. إمعان مؤسسات الدولة في رفض تنفيذ الأحكام القضائية وخاصة أحكام المحكمة الإدارية المتعلقة بإسناد الحماية للمبلغين عن الفساد وذلك في خرق صريح لأحكام القانون والدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية، وهو ما يمثل جريمة فساد وتواطؤا، إراديا أو غير إرادي، مع الفاسدين وتبييضا لممارستهم غير الشرعية وتشجيعا لهم على المواصلة فيها والتنكيل بالمبلّغين وحتى الإعتداء عليهم.

وتأسيسا على ما سبق بيانه وعلى غيره من الأسباب، أقترح على المبلّغين عن الفساد إحداث جمعية مدنية موضوعها "حماية المبلغين عن الفساد" أو "تشجيع التبليغ عن الفساد"، يهدف نشاطها إلى ما يلي:

1. رصد جميع الممارسات التي تستهدف التنكيل بالمبلغين عن الفساد وتهديدهم والاعتداء عليهم والانتقام منهم والإبلاغ عن الأشخاص المسؤولين عنها إلى السلطات المختصة والتشهير بهم أمام الرأي العام والعمل على مساءلتهم تأديبيا وجزائيا وعدم إفلاتهم من العقاب.

2 تشبيك العلاقات بين المبلغين عن الفساد وتأطيرهم وتعريفهم بحقوقهم وبكيفية حمايتها والتقاضي بشأنها وتقوية عزائمهم على القيام بدورهم المواطني في التبليغ عن الفساد وعدم الخوف من الفاسدين.

3. توفير الدعم المادي والمعنوي والقانوني للمبلّغين عن الفساد موضوع الإعتداءات أو التهديدات ومساعدتهم على المطالبة بحقوقهم لدى السلطات العمومية وأمام القضاء.

4. تمثيل المصالح المشتركة للمبلّغين عن الفساد والدفاع عليها أمام السلط العمومية وأمام المحاكم.

5. إبداء الرأي في كل المسائل المتعلقة بمكافحة الفساد وحماية المبلّغين والخوض في الشأن العام ذي العلاقة واقتراح الحلول والآليات التي يجب أن تتضمنها السياسات العمومية والقوانين لدعم الترسانة القانونية في حماية المبلّغين وتشجيعهم على التبليغ عن الفساد.

6. العمل على المطالبة بتفعيل المؤسسات وأوّلها الهيئة الدستورية لمكافحة الفساد وإعمال القوانين المتعلقة بحماية المبلغين عن الفساد وفقا للمبادئ الدستورية والمعايير الدولية المضمنة بالمعاهدات الدولية وطبق متطلبات دولة القانون في مجتمع ديمقراطي.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات