ما معنى ان يرد رئيس الجمهورية مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية الى البرلمان ؟

من الناحية الدستورية يبقى ذلك حقا مطلقا يكفله الدستور لرئيس الجمهورية لرد اي مشروع قانون الى مجلس نواب الشعب لقراءة ثانية تستوجب لتمريره مجددا المصادقة عليه بأغلبية معززة (131 نائبا بعد ان كانت في القراءة الاولى ب 109 نائبا) ،و من هذه الناحية فانه لا يمكن مناقشة قرار الرئيس الذي يكفله له الدستور .

لكن من الناحية السياسية كيف يمكننا قراءة ذلك؟

من بين اهم التبريرات التي قدمها الرئيس في مكتوب الرد الذي وجهه الى رئيس مجلس نواب الشعب هو الاشارة الى الفقرة الخامسة من الفصل 148 من الدستور و الذي ينص على ارساء المحكمة الدستورية في أجل سنة من اجراء الانتخابات ( التي تمت سنة 2014) ،علما و ان الرئيس لم يقم بالطعن في دستورية التعديل وفق ما يخوله له الفصل 120 من الدستور ، و بالتالي تبقى هذه الاشارة الى الفصل 148 دون معنى اللهم الا اذا كان الرئيس لا يرى امكانية ارساء المحكمة الدستورية مطلقا بعد تجاوز الآجال الدستورية او ان الامر يستدعي تعديلا دستوريا لتغيير تلك الآجال،

و كان الاجدر به في هذه الحال إستعمال حقه في الطعن أمام هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين ، و هو ما يعني سياسيا رفضه لاستكمال بناء الهيئات الدستورية و تحويل حالة الفراغ الى أمر واقع يحاول تطويعه لفائدته في صراعه السياسي الذي يبدو انه تحول الى اولوية الاولويات لديه و لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد و تقدمها في مسار الانتقال الديمقراطي.

و مما يعزز هذه الخشية هو انه من خلال هذا الرد فان رئيس الجمهورية يأمل في بقاء قانون المحكمة الدستورية على حاله و هو يعلم ان مجلس نواب الشعب الحالي (و الذي سبقه أيضا) فشل في توفير نصاب ال 145 نائبا الا لمرشحة وحيدة ، و هو يرغب تبعا لذلك استمرار الحال على ما هو عليه و بقاء البلاد دون محكمة دستورية رغم أن إرساءها شكل مطلبا للحركة الديمقراطية على امتداد عقود من الزمن .

و باعتبار ان المصادقة على مشروع التعديل ،موضوع الرد، تمّ بما يشبه الاجماع : غياب اي اعتراض و تسجيل تحفظات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ... فان الامل يبقى قائما في احترام الاجراءات الدستورية و حق الرئيس في اعادة مشروع القانون لقراءة ثانية و المصادقة عليه مجددا بالأغلبية المعززة ( 131نائبا) و المرور سريعا الى تركيز المحكمة الدستورية لتنهض بدورها الحيوي في البناء الديمقراطي التونسي.


* عصام الشابي : سياسي تونسي وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الجمهوري

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات