الاستثمار الفاشل لسياسة بورقيبة

Photo

تاريخ 6 أفريل من هذه السنة تمثل الذكرى التاسعة عشر لرحيل الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة الملقب بالزعيم عند الكثيرين لكن لا أحبذ هذا اللقب لما أصبحت تحمله الزعامة من صورة سلبية و تحمل خلفها نزعة استبدادية لحاملها.

بورقيبة كشخصية سياسية و كإنسان فإنه يحمل الكثير من الصفات و الخصائص التي تتراوح بين الإيجاب و السلب و بين الحكمة و الخطأ. تجربة بورقيبة السياسية التي ابتدأت بشخصية الرجل المناضل ضد الاستعمار و تواصلت بشخصية الرئيس الحاكم عرفت العديد من السجلات الحافلة المدونة بكتاب التاريخ، اعتبرها البعض هي مشروع سياسي و فكري معاصر سابق لزمنه خاصة للظرفية التاريخية التي تعرفها تونس و المنطقة العربية جمعاء.

مشروع الدولة الوطنية التي سعى إليه الرجل لم يرضي الجميع و لم يبلغ صداه كامل تراب الوطن خاصة عندما ظلت العديد من المناطق في عصره غارقة في أفات الجهل و الفقر و خاصة غياب التغطية الصحية و التي لحد الأن واقفة في نفس نقطة الانطلاق.

بعد أحداث جانفي 2011، تسارعت العديد من الأحزاب و الشخصيات تنسب نفسها إلى النسب البورقيبي بحثا عن استمالة الكثير من التونسيين الذين غالبهم الشوق و الحنين إلى زعيمهم المفدى. أصبح تاريخ الرجل تجارة رائجة عند المتلونين من التجمعيين فأصبحوا بقدرة قادر أبناء بورقيبة السياسيين و على نهجه سائرون و كرد اعتبار له باحثون عن استنساخ لسياسي جديد يحمل بداخله جينيات بورقيبة خاصة أن المد الثوري لم يتردد في الزج به في مقصة العدالة الثورة نظرا لتاريخ الرجل الفاشي مع كل التيارات الوليدة بعد الاستقلال خاصة الفكر اليسار و برج الرومي و معتقل رجيم معتوق أبرز دليل.

أحزاب كثيرة قدمت لهم الثورة فرصة البناء الجديد و خلق مشهد سياسي تنوري و ديمقراطي و أفكار مسايرة للواقع الجديد إلا فشل تلك الأحزاب في الخلق و الابتكار كتعبير على فقرها الفكري و السياسي جعلها تستثمر في القديم و في شخصية الزعيم حتى بلغ الأمر إلى درجة التجارة الفاشلة و التي بلغت الكساد مع مرور الأيام و لم ينجح سياسي اليوم من تحقيق أي انجاز يحسب لهم في سبيل تجذير المدرسة البورقيبية.

مثّل الباجي القائد السيسي الشخصية الأبرز التي عملت على استغلال صورة بورقيبة و سمعته من أجل انطلاقة سياسية جديدة في تونس بعد الثورة حيث استلهم برنامجه الانتخابي و صورته الاتصالية قبيل انتخابات 2014 من الإرث البورقيبي القديم.

لم يقتصر الأمر على الرئيس الحالي بل امتد الأمر إلى جميع الأحزاب على النظام القديم التي لم تترد أغلبها في الحج إلى قبر الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير كلما تعلق الأمر بتأسيس حزب جديد أو افتتاح حملة انتخابية في تكرار لنفس المشهد الغير مقتصر على حزب واحد أو شخصية سياسية واحدة.

هذا الاستثمار في شخصية بورقيبة ساهم بطريقة أو أخرى في تدنيس تاريخ الرجل الذي يعتبر أهم سياسي مرّ بقصر قرطاج منذ الاستقلال و تعبير سلبي على عجز الطبقة السياسية الحالية في تطوير ذاتها و مسايرة العالم الجديد و صياغة فكر سياسي متجدد يقدر على المواصلة في النهج الذي ابتدأه بورقيبة و جيل الاستقلال.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات