السعيد و مهاجمة العقول

Photo

عرفت البشرية منذ نشأتها أصناف مختلفة من الاستعمار، كانت البداية بالاستثمار العسكري لتليها الاستعمارات الاقتصادية و السياسية. ليظهر بمرور الزمن نوع جديد يتجسد بالاستعمار الثقافي و الفكري.

هذا المنطلق العام يحلينا إلى نظرة موضوعية إلى المناخ السياسي و الفكري في تونس حيث أن التواترات القائمة و القضايا الفكرية السائد في تونس تعطي الانطباع أن العقل البشري أصبح خاصغ لسيطرة الأخر و نرجسيه و منطق الوصايا من طرف فئة قليلة من المجتمع على بقية أفراد الشعب.

إذ أن التقدير الذي يناله الفرد داخل المجتمع حتى لو كان قامة علمية و فكرية كبيرة أصبح يمر عبر رؤيته و نظرته الخاصة إلى عدة قضايا سياسية و فكرية معينة. إذ أن موقفك و حرية تعبيرك هي في الأصل مصادرة حتى يرضى عليك الآخرين الذين يتصدرون المشهد و القول و يعتبرون أن فكرهم هو الأصح و الصالح للشعب و للبلاد.

أحد القامات العلمية و الفكرية في تونس و أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الذي كان مرجع قانوني للثورة التونسية، خطف الأضواء و عانق الإبداع في حضوره التلفزي و أصبح يحظى بمكانة مرموقة لدى كامل أطياف الشعب مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية و السياسية من يمينهم إلى يسارهم.

هذا التوافق تجاه هذه الشخصية و الذي رغب الكثيرين في ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، عرف انقلاب و انقسام بين الكثيرين إثر تقديم قيس سعيد لموقفه من مشروع قانون المساواة في الميراث و الذي اعتبره غير جائز لأن النص الديني واضح و غير قابل الاجتهاد.

هذا الموقف و الرأي قابله الكثيرين من دعاة الحداثة و الديمقراطية بوابل من السخرية و التهكم في شخص الرجل و التقليل من قيمته العلمية و الثقافية بلغ بالكثيرين باتهامه بالتطرف. تصرف غير مقبول و هجين من طرف الذين يعتبرون حرية التعبير حق للجميع لكن حق فقط لمن يسايرهم و يكون خاضع لأفكارهم و تصوارتهم، الحقيقة نسبية من جهة و من جهة ثانية تظل قابلة للتأويل حسب رؤيته للأشياء و الأمور من زاويته الخاصة و كما هو معلوم فإن قانون المساواة في الميراث مثلما له جمهور يدافع عليه، فله أيضا جمهور يعارضه و يعتبر قانون مسقط و لا قانونية له لكن يظل الاحترام هو سيد الموقف في قبول الرأي و الرأي المخالف.

قيس سعيد شخصية محسوبة على اليسار لكنه لم يمنعه ذلك من رفض قانون يعتبره اليساريون أولوية الأولويات رغم تخبطهم في الساحة السياسية و بوادر الانفجار تلوح في الأفق بين العمال و الوطد و هو ماجلب له الاتهام كونه يغازل جمهور النهضة الاستحقاق الانتخابي القادم.

هذه الحادثة المتجددة تضعنا أمام إعادة النظر في عدة نقاط خلناها أصبحت من المسلمات لعل أبرزها حرية التعبير التي تنحدر إلى منزلق رفض الاخر و مصادرة الحق في التعبير مادمت تغرد خارج الكومبارد النخبوي المتعالي و فارض الوصايا على الفرد و المجموعة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات