الديمقراطية الحية بتركيا

Photo

عرفت تونس أحداً ساخنا ببعد سياسي تمثَل في انعقاد القمة العربية و ببعد اجتماعي تعلق بالزيادة الدورية لسعر المحروقات تنفيذا لقرارات الصندوق النقد الدولي.

بالرغم من حرارة هذه الأحداث إلا أن فئة كبيرة من التونسيين المهتمين بالشأن السياسي خاصة ظلت عقولهم و قلوبهم مصوبة شرقا نحو بلاد الأناضول في انتظار ما ستبوح به نتائج الانتخابات البلدية هناك و التى باحت بأسرارها أخيرا و أعلنت على فوز نسبي لحزب العدالة و التنمية بقيادة أردوغان.

بالرغم من حصول الإسلامين على نسبة 52٪ مقابل 38٪ لحزب الشعب الجمهوري العلماني لمؤسسه التاريخ كمال أتاتورك إلا أن هذا الانتصار يدق ناقوس الخطر بالنسبة أردوقان بعد خسر الحزب لكبرى المدن التركية و هنا الحديث يخص بالأساس العاصمتين السياسية و الاقتصادية لتركيا أنقرة و إسطنبول إضافة لمدن هامة أخرى مثل أزمير.

هذه الانتخابات المحلية التركية يمكن أن نستخلص منها عدة دروس و عبر قد تكون مفيدة جدا الطبقة السياسية التونسية و من ورائها أنصارهم الغارقين في بحر الدوغمائية. جاءت النتائج لتؤكد أولا و أخيرا أن النجاح و الفشل في دنيا السياسية نسبي و غير دائم و هو إحدى أهم مرتكزات الديمقراطية القائمة على التعددية و التداول السلمي على السلطة.

العبرة الثانية المهمة من وجهة نظري تخص أداء المعارضة التركية التي عرفت انتصار معنوي هذه المرة بعد سنوات من اكتساح الاسلاميين للانتخابات التركية بمختلف أنواعها، إذ أنها عكفت على القيام بمراجعة نقدية ذاتية و إصلاح لأخطائها من أجل تقديم خطاب جديد للناخب التركي يتسم بالتطور و مساير للواقع و البحث عن مشروع قادر على التغيير بعيدا على كل الخطابات الرجعية قائمة على التخويف أو الاتهام بأسلمة أو أخونة المجتمع التركي أو ضرب كل مكتسبات المدنية التي قام عليها المشروع الأتاتوركي.

نقطة ثالثة و أخيرة و التى يمكن أن نستخلصها من وحي الانتخابات هناك وهي قيامها على الثوابت الحقيقة للصراع الانتخابي و السياسي و الذي يكون صراع مبنى على تقديم برامج اقتصادية و اجتماعية للشعب و هو المخول الأخير لاختيار الأفضل و الصالح له و للبلاد و هو مانجحت فيه المعارضة في المدن الكبرى أين استغلت أخطاء الحكومة و الخيارات التي أدت إلى زيادة نسبة التضخم و إرتفاع الأسعار و كان الرد سريعا من الناخبين الذين استعملوا سلاح العقاب من أجل التغيير و البحث عن الأفضل.

في الختام يظل النموذج التركي فريد من نوعه و الذي جاء ليؤكد أن الديمقراطية تقدر أن تحيا حتى في ظل وجود الإسلاميين و تستطيع جميع التيارات أن تنتصر عليهم أو تقدر على تحجيم نفوذهم عندما يحضر العقل الوازن و يحضر معه المشروع التقدمي و الديمقراطي.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات