الأشباح

أعلم أن الشبح في الأصل اللغوي ظل الشيء وخياله، أو ما بدا لك شخصه غير جلي عن بعد. وفي البلاغة يقال شبح الموت، وشبح الحرب، إذا ما ظهرت ملامح ما تدل على قرب حدوثهما. ثم اغتنت الكلمة بمعان أخرى أهمها: ما يعتقد به بعض العامة من ظهور أشباح في الخرائب تُرى ولا تلمس، أو ما يعتقد به من لا يفكر من أن هناك أشباحاً تسكن البيوت، وتظهر في الليل، وتقوم بأعمال منكرة ومخيفة.

غير أن من المعاني التي صارت مألوفة للشبح المعنى المرتبط بالخوف، من ظاهرة أو إنسان والذعر منهما، أو من فكرة ما إن ترد إلى السمع حتى تخلق لدى بعض السامعين رعباً لا مثيل له.

فكما كانت الشيوعية شبحاً يخيم على أوروبا “كما جاء البيان الشيوعي لماركس وانغلز”، فإن شبح الإسلام يخيم “الآن” عليها، وذلك بفعل سياسة تقصد قصداً لخلق عدو وهمي يساعد المحافظين الجدد الذين سماهم البرادعي يوماً، “المجانين الجدد”، على تنفيذ سياساتهم العدوانية وحروبهم المجنونة ضد البشر.

وفعل فكرة الديمقراطية بالنسبة إلى البلاد العربية فعل الشبح المخيف، الذي ما إن يذكر من أحد أو منظمة حتى يرتعد الحاكم العربي تماماً، كما كان فعل أفكار الحرية والتقدم والدستور زمن السلطان عبد الحميد الثاني.

وتأمل حوادث الحركات العنفية الأصولية، فما إن يظهر حادث هنا أو حادث هناك حتى ينبري الإعلام للحديث عن القاعدة وأسامة بن لادن، ويبدو أن أسامة الشبح قد انتصر على أسامة الحقيقي. كما يلفت النظر ما يعتري البعض من توتر حين يذكر اسم ما وكأن شبحه يلاحقهم أينما حلّوا وذهبوا، ويناصبوه العداء الذي يصل حد الإيذاء.

ومن أغرب الأشباح التي تلاحق البشر أشباح المخبرين في بلاد العرب، حتى صار الهمس لغة المجالس كما صار كل غريب غير مألوف لرواد المقاهي حتى غدا المقهى مكاناً خطيراً.

وهذا الشبح أقسى من شبح السلطة الذي ينام ويقوم داخل أدمغة البشر، فيزينون حركاتهم وسكناتهم بأمر من الشبح الساكن فيهم.

ومهما يكن أمر الشبح فإن حمل الناس على العيش في عالم الأشباح التي تلاحقهم، لهو نوع من مؤامرة الإخافة التي يعتمدها البعض وسيلة للسيطرة.

فالمشعوذ يعرف أن لا أشباح بين الخرائب، ولكن لا تميمة يكتبها ويأخذ أجرها دون زرع الخوف في وعي الناس من الأشباح.

والمجانين الجدد يدركون إدراكا عميقاً، أن الإسلام في حقيقته، ليس شبحاً مرعباً من شأنه أن يفسد الحياة في أوروبا وأمريكا، ولكن دون إسلام عنفي شبحي كيف لهم أن يشنوا حروبهم.

أما الشبح المخبر فهو السند الخفي للدكتاتور، والسلطة الحاكمة تعرف أنها بلا أشباح المخبرين سيزداد الكلام النقدي، وهي تحتاج إليهم لكم الأفواه حتى يمكن أن نسمي هؤلاء بأشباح الأفواه.

بقي أن نقول إن هناك شبحاً واحداً وحيداً ضروريا ومفيداً جداً، ألا وهو شبح المجتمع، شبح الناس.

على البشر أن يتحولوا إلى شبح يخيف من يخيفهم، أو من يسعى لإخافتهم. دون هذا الشبح ستظل الأشباح العدوانية فاعلة في إخافة الناس. أما كيف يتحول المجتمع إلى أشباح تخيف، وتمنع حضور الطغاة في حياتنا، وفساد أدواتهم القذرة، فهذا سؤال الأسئلة المطروح على الجميع الذين يفكرون بعالم بلا طغاة.

فالمجتمع المدني، والحزب السياسي، والقول المكتوب والمسموع، وأشكال التمرد المتعددة من إضرابات ومظاهرات كلها أشباح المجتمع المخيفة التي يجب أن تظهر في وضح النهار. أما كيف نخلقها فليس لدي نصائح أو أجوبة جاهزة، إنها أشباح للتفكير.

فاخلقوا أشباحكم أيها البشر لتدافعوا عن وجودكم الحقيقي.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات