في علم النّفس الإنتخابي

Photo

يرى البعض في الديمقراطيّة أسلوبا في ممارسة الحكم و شكلا من أشكال الحياة السياسيّة والفلسفة الأرقى تاريخيّا لإدارة المجتمع .. ويرى فيها آخرون نوعا من الحيلة الماكرة الّتي يتداول بموجبها وحوش الثّروة والنّهب والهيمنة على حكم الشّعوب عبر تفويضها لهم بمواصلة التمتّع بخيراتها لسنوات أخر.

دعونا من كلّ ذلك .. أنا مهتمّ أساسا بروحانيّة النّاخب: ماذا إنتخب تحديدا في بلادنا حين وقف في الطّابور مصمّما وواثقا ورمى رصاصته صوب الهدف وخرج يفركُ يده فرحا بالنّصر الوشيك ؟؟

هل تُراهُ إنتخبَ الحزب ؟؟ أم البرامج ؟؟ أم الأفكار والأحلام ؟؟؟ أم لعلّه آنتخبَ الأطماع والهواجس؟؟ ولعلّه لم يفعل سوى أن صوّتَ لنفسه العميقة وحقيقته الصّامتة ؟؟؟

دعُونا أيضا من سبّ الأحزاب و الحملات الإنتخابيّة .. ففي هذا المجال : كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون .

سأسعى إلى أقصى ما يمكن من الحياد ماضيا مباشرة إلى الروحانية العميقة لكلّ ناخب .. وسأقترح حلّا بسيطا: لنترك نوايا الأحزاب جانبا فالله وحده يعلم بالنّوايا .. بل لنعتبر حتّى من باب المساواة أنّ كلّ الأحزاب لديها نوايا سيّئة وخلفيّات وآرتباطات مشبوهة .. وهذا كلّه لم يعد يهمّني .

سآخذ ببساطة ما تقوله الأحزاب عن نفسها ولجماهيرها وسأعتبر كلام الأحزاب صادقا كلّه .. فالمهمّ هاهنا هو معرفة ماذا يختار النّاخب حين يختار التّصويت لهذا الحزب أو ذاك دون سواه.

- النّهضة : كانت تنشر بآستمرار بين صفوف شعبها كونها قادمة لإعادة الإعتبار للهوية الإسلامية أبرز ضحايا نظام بن علي .. وكونها تقدّم رؤية لإسلام معتدل متفتّح لا مجال فيه للتكفير أو التّفجير.. أنا أتكلم فقط عمّا تقوله هي منذ 2011 إلى اليوم عن نفسها في الإعلام وفي الإجتماعات الشعبية .

- النّداء : جاء النّداء في لحظة إرتباك للترويكا وقدّم نفسه بوصفه المنقذ من الإنهيار الإقتصادي .. وكونه صاحب الكفاءات والطاقات والإمكانيات والعلاقات الدولية الكفيلة بالقفز بتونس إلى المجد.. وركّز النّداء على معاداة مشروع الإسلام السياسي الرجعي المتخلّف وقدّم بديلا له مشروع النّمط والحداثة والتقدّم.

- الجبهة اليساريّة: ما سمعنا لها منذ تأسيسها من كلام إلّا ويدور أساسا حول المعاداة الجذرية للإسلام السياسي ولكل ميولات الأسلمة و تكريس الهويّة .. وتحدّثوا قليلا جدا عن بعض رؤاهم الإقتصادية من نوع تجميد المديونية والإصلاح الزراعي .. لكن لو جمعنا كل التسجيلات لرأينا بوضوحٍ لا لبس فيه كون أكثر من ثلاثة أرباع كلامهم كان شتما وقدحا وتنديدا بالإسلاميين .

-المرازيق نسبة للأحزاب الّتي تدور في فلك المرزوقي : كان خطابهم متمركزا أساسا حول معاداة المنظومة التجمعية .. وحول مقاومة الفساد ومحاسبة التجمع وكشف خطاياهم ضدّ الشعب.

أعتقد أنّ هذه هي المدارس الأهمّ في المشهد التونسي .. والمؤهّلة للبقاء أكثر من غيرها .. والّذي أفهمه ممّا سبق قوله هو التّالي :

- ناخب النهضة: هو الإنسان ليس بالضرورة المسلم التقيّ النقيّ.. بل أساسا الإنسان في لحظة حنين غامرة للإسلام .. إنّه الرّاغب في الموازنة بين العيش سعيدا وبين الحلم بدخول الجنّة.

- ناخب النّداء: هو الإنسان الدنيوي المصلحي.. لا همّ له سوى بلغتنا العامة في السلام والشّيخات و التّبحبيح.. إنّها روحانية الإنسان الفارغ من كلّ روحانيّة حقيقيّة.

- ناخب الجبهة: إنسان حاقد ومتعصّب ومعادي للإسلاميين ويخفي وراء ذلك عداء خفيّا ربّما لا يعيهِ هو نفسه لدين الإسلام.

-ناخب المرزوقي: هو الثوري الوطني الراغب في بداية صفحة جديدة في وطن دون طغيان عبر المحاسبة الجذرية لكل الظالمين والسرّاق.

في هذا الإتّجاه .. حين كنتُ أؤمن بالديمقراطية وقمت بالإنتخاب فقد أدليتُ بصوتي لصالح النّهضة والمرزوقي بكامل الثقة والفخر دون أن أتحزّب في حياتي ولو ليومٍ واحد .. أمّا وقد أفقت من غيبوبتي الديمقراطيّة وأعلنت أنّني طلّقت الإنتخاب ثلاثا.. فإنّني سأنصح النّاس في أيّ انتخابات قادمة بالتّالي: لا تنتخب فإن كنتَ فاعلا .. فلا تنتخب النّداء و الجبهة وآنتخب من شئت سواهما.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات