" پول دي شانيل" التّونسي

لا تحتاج لأن تكون محلّلا نفسيا أو مختصّا في الأمراض العقليّة لتكتشف أنّ من يسوسنا ظاهرة غير عادية، حالة ما قبل المرضيّة أو مرضيّة صريحة بأعراض مكشوفة تتجلّى سلوكا و أقوالا.

غضب لا متناهي، تناقض في الأقوال، تذبذب و تلعثم في الكلام ، تكرار ممجوج لشبه أفكار،تضخّم للأنا و ترذيل للآخرين، حالة من الرّهاب المزمن، اختلاق للأعداء، اعتقاد جازم بأنّه مستهدف من الجميع، السبّ و الشتم و اطلاق التّهم جزافا دون دليل، تخوين المخالفين ، عنف لفظي و بثّ الحقد و الكراهية و شحن المناصرين،انغلاق تام و تقوقع على الذات و عدم سماع إلّا ما يدور في رأسه من وساوس و طنين.

لا ندري ما الّذي استخلصه الطّبيب النفسي الأمريكي في تشخيصه لحالة الرّئيس و ما رأي مختصّينا فيما يشاهدونه أمام أعينهم لكنّني استعرض حالة شبيهة عاشتها فرنسا في بداية القرن العشرين، مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى خرجت فرنسا كبقية الدول الّتي خاضت الحرب مثقلة بمشاكل اجتماعية و اقتصادية جمّة ازدادت تأزّما بطبقة سياسية فاسدة و نخبة غائبة ، فظهرت حينها فضائح سياسية و مالية أبرزها فضيحة بناما ممّا أجج الرّأي العام ضدّ المنظومة و الأحزاب لينتخب عقابيا " بول دي شانيل" كرئيس للجمهورية الثالثة الفرنسية و كان ذلك في 18 فيفيري 1920 و كان ذلك بأكبر عدد من الأصوات في سابقة لم تحدث من قبل.

كان بول دي شانيل استاذا للقانون و في نفس الوقت صحفيا و كاتبا، كان خطيبا يحاول تأثيث خطابه بعبارات فرنسية صعبة على فهم العوام و يركّز على الغنّة و مخارج الكلمات بل و يقضي ساعات في كتابة رسالة بخطّ كلاسيكي جميل يبهر من يقرأه و يعطي اهتماما عظيما للشكل أكثر من المضمون و الغريب أنّه كان معارضا للنّظام القائم و يعتبر أنّ ما منح له من صلوحيات لا يمكّنه من تحقيق طموحاته و أفكاره الّتي من بينها تغيير النّظام الفرنسي إلى مزيج بين النّظام السويسري و الأمريكي، أي بين الديمقراطية المجالسية القاعدية و النّظام الرّئاسي الأمريكي ذو الصّلوحيات الكبيرة.

لكن ما خفي أعظم، فپول كان غريب الأطوار صنّفه البعض متوحّدا لكن حالته تبدو أكثر تعقيدا ، فهو ذات مرّة في نيس أعاد خطابه بالكامل حينما رأى أنّه أعجب الجمهور، و عثر عليه كم من مرّة و هو يحاول اصطياد سمك الشبّوط بيديه في ساحة القصر، كما أنّه ترك نائبين حضرا لزيارته و ذهب لتسلّق الأشجار ثمّ صار يوقّع باسم نابليون ، و تتوالى شطحاته الّتي صار الجميع يتندّر بها و أبرزها أن استقبل سفير احدى الدّول عاريا مرتديا وشاح وسام الشّرف!

و كان لا بدّ من التدخّل لإيقاف هذه المهازل ليجبر على تقديم استقالته في 21 سبتمبر 1920 بعد 261 يوم من الحكم رأى خلالها الفرنسيون الغرائب و العجائب.

و قد صنّف الدكتور "بوجري" حالة الرئيس بول دي شانيل و اطلق عليها متلازمة " ألبينور" و هي حالة من فقدان الوعي خلال الصّحوة يرافقه مشاكل في الارتباك المكاني.

كم نحتاج إلى تشخيص حالة رئيسنا لفرملة هذا المنحى نحو الانهيار السّريع و لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات