حين يتحدث التونسيون عن مشاكل فرنسا الدستورية

قرأت كثيرا من التعاليق لغير المختصين حول خلاف ماكرون ولوبان في ما يخص الاستفتاء . كلها في الواقع اكتفت بجملة منقولة من هنا أو هنا دون تبين طبيعة الخلاف ولا فهم تعقيداته ..طبعا هم في اكثرهم لم يقرؤوا اي دستور ، من دستور حمورابي الى اخر دستور كتب في اي بلد في العالم ( البعض منهم يخرج ليسب دستور 2014 الذي لا يعرف منه الا الفصل الاول مع تحريفه عند قراءته بالذاكرة) .

مع كامل الاسف لم أقرأ أي كلام مهم من مختصين حول طبيعة المشكل الدستوري الذي تطرحه قراءة ماري لوبان للفصل 11 من الدستور الفرنسي لتمرير استفتائها العنصري حول أحقية الفرنسيين في التشغيل والسكن والحقوق الاجتماعية .

مع العلم ان مارين لوبان التي لا تنسى في اي حوار مثلما فعلت في المناظرة ان تذكرنا انها محامية ( في تونس نقول خبير او استاذ في القانون الدستوري مثل الزكرواي بالضبط ) تستند في ذلك على سابقة حدثت سنة 1962 في فرنسا وهو التجاء الجنرال شارل ديغول فعلا الى الفصل 11 من اجل الدعوة الى الاستفتاء لتغيير الدستور وجعل الرئيس ينتخب مباشرة من الشعب وهو ما وقع فعلا .

مع العلم ان هذا التصرف لديغول اثار وقتها جدلا واسعا واعتبر مخالفا للدستور .ولذلك يرفض ماكرون استنادها الى هذه "السابقة الدستورية " ويعتبر ان اي تغيير للدستور كان يجب ان يستند الى الفصل 89 لا الفصل 11 وبذلك يكون اجراء الجنرال في وقته باطلا ومخالفا للدستور ولا يمكن الاستناد عليه او اعتماده كسابقة دستورية لإجراء اي استفتاء خارج المواد التي حددها الفصل 11 ..والتي ليس من بينها موضوع الاستفتاء الذي تقترحه لوبان .

المهم ان الخلاف في فرنسا يستند فعلا على قراءة للنصوص وعلى سوابق دستورية وهو محل جدل في فرنسا منذ حكم الجنرال ديغول خاصة عندما يرتبط الاستفتاء بمقولات شعبوية من قبيل "السلطة العليا للشعب" او " الحكم للشعب" او "الشعب يريد "وهي كلها تثير مخاوف جدية حول ارادة تخريب الديمقراطية التمثيلية القائمة على حكم الشعب بواسطة نوابه

فضلا عن ان استفتاء لوبان ذو طبيعة عنصرية مخالفة لمبادئ الدستور الفرنسي وشعار الجمهورية الفرنسية القائم على مبدأ الاخوية .

اما عندنا فلا دستور ولا فصول ..هي عملية تفليح دستوري يمارسها من يشاء وسط جماهير لا يعنيها امر الدستور لا من قريب ولا من بعيد لأنها لم تقرأه ابدا ولا هي قادرة على فهمه اصلا اذا قراته فضلا على انه لا صلة مباشرة له بحياتها وهمومها و في ظل وجود خبراء في القانون الدستوري ( هكذا نسميهم حتى عفنا الاسم والمسمى ) هم في كثير من الاحيان مشعوذون في خدمة السلطان بلا فكر ولا ضمير .والادهى من هذا اننا نترك ابناءنا بين ايديهم ليتعلموا منهم كل انواع التحيل والضحالة الفكرية ..بعض هؤلاء من طلبة القانون يصبحون قضاة او محامين ..ونتساءل بعد ذلك من اين جاءنا كل هذا الاستسلام للاستبداد واعوانه ؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات