من يناضل فعلا من اجل مدنية الدولة ويرفع شعار الحداثة صدقا لا زيفا…

يسوّق البعض أن القضاء العسكري صارم والقضاء العدلي ناعم، وأن القضاء العسكري نزيه والقضاء العدلي وضيع، وأن كل الجرائم التي تهم أمن الدولة الداخلي والخارجي والتخابر مع جهات اجنبية وافشاء أسرار متعلقة بالأمن القومي ودفع فئات الشعب للاقتتال ووضع النفس على ذمة قوات عسكرية اجنبية والنيل من معنويات الجيش، والدعوة الى عصيان الأوامر العسكرية، هي جرائم يختص بالتعهد بها حصريا القضاء العسكري مهما كانت صفة المتهم.

نعتقد أن تسويق مثل هذه المواقف ضعيف التعليل وفاقد للموضوعية. القضاء العسكري شامخ ونزيه وكفء وصارم في مجال اختصاصه لردع الجرائم العسكرية التي تنسب الى عسكريين او التي ترتكب بحق عسكريين.

الدفاع عن هذا المبدأ جزء أصيل من الدولة المدنية التي ينادي بها كل التونسيين. وأربأ بالشعب ان يردد شعارات لا يفقه كنهها، فيرفع شعار مدنية الدولة ثم يصفق لعسكرة القضاء، ولتوسيع مجال اختصاص القضاء العسكري ليحاكم المدنيين دون القضاء العدلي... هذان امران متناقضان…

القضاء العدلي ايضا صارم ونزيه وهو يتعهد بكل الجرائم الواردة بالمجلة الجزائية إذا كان المتهم مدنيا واذا لم يكن الضحية عسكريا.

القضاء العدلي ايضا يصدر بطاقات ايداع في السجن، أليس رئيس ثاني أكبر كتلة برلمانية اليوم في السجن بموجب بطاقة ايداع أصدرها القضاء العدلي!؟ المسألة لا تتعلق بالنزاهة ولا بالكفاءة بل بمبدأ مدنية الدولة.

إذا كانت الأفعال المنسوبة الى المدعو راشد الخياري نائب البرلمان، تشكل جريمة متلبسا بها وتبرر إيقافه، فلن يتوانى القضاء العدلي عن ايقافه، وسيكون أعسر على مكتب مجلس نواب الشعب التصويت على ابطال مفعول بطاقة ايقاف صادرة عن القضاء العدلي من ان يصوت على تلك الصادرة عن القضاء العسكري،

لان الكثيرين قد يستهجنون ما صدر عن النائب المذكور من تهوّر واستسهال في إلقاء التهم الخطيرة جزافا، ويرون انها موجبة للمؤاخذة القضائية، لكن يرفضون من حيث المبدأ ان يكون القضاء العسكري هو المختص بالتتبع وبالمحاكمة، حفاظا على مدنية الدولة وعلى احكام الدستور ولاسيما الفصل 110 منه الذي يقيد اختصاص المحاكم العسكرية بالجرائم العسكرية دون سواها. ولا يمكن ان تكون الجريمة عسكرية الا إذا تعلقت بأمر يهم العمل العسكري او بأطراف عسكرية سواء بصفة متهمين او ضحايا.

من يناضل فعلا من اجل مدنية الدولة ويرفع شعار الحداثة صدقا لا زيفا، فليأت بمثال من دول العالم الحرّ والمتمدن وليس من الدول ذات الانظمة العسكرية، يتم فيها محاكمة مواطن مدني من قبل القضاء العسكري لأنه وجّه اتهامات سخيفة وغير مبررة لرئيس الجمهورية في مسائل انتخابية لا علاقة لها بسير العمل العسكري؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات