هل احكام الدستور الحالي تتيح لاي حزب سياسي ان يطوّع المحكمة الدستورية لأهوائه!؟

هاكم الفصل 118 أمامكم فاقرؤوه، رئيس الجمهورية هو الطرف الأكثر حرية واريحية في تعيين ثلث اعضاء هذه المحكمة بحساب أربعة أعضاء من مجموع اثني عشر عضوا.

Photo

المجلس الأعلى للقضاء مجلس قطاعي متنوع الحساسيات ولا توجد فيه جهة طاغية اكثر من غيرها، ولكي يتوفق هذا المجلس في اختيار الأعضاء الأربعة وجب عليه ان يتحرى الدقة والأمانة في ترشيح شخصيات قانونية وقضائية تحظى باحترام الأسرة الموسعة للقضاة والمحامين، اذ يستحيل في ظل التركيبة الحالية للمجلس الأعلى للقضاء تمرير اسماء غير مشهود لها بالكفاءة والنزاهة العلمية.

البرلمان ليس له الحق سوى في تسمية ثلث الأعضاء، اي اربعة، عضو منهم تم انتخابه منذ الدورة السابقة للبرلمان وفق النصاب المستوجب قانونا، اي ان البرلمان الحالي مطالب فقط بانتخاب ثلاثة اعضاء.

الاغلبية المعززة المشترطة قانونا، سواء أ تمّ ختم التعديل الاخير للقانون ام تم اعتماد الصيغة الاولى، هي اغلبية صعبة التحقيق في ظل برلمان متشرذم وفسيفسائي... يستحيل على اي كتلة برلمانية فرض تمرير اسماء تضمن ولاءها المطلق... لكي ينجح البرلمان الفسيفسائي في انتخاب الثلاثة اعضاء الباقين وجب على الكتل البرلمانية ذات الاغلبية النسبية ان تبذل اقصى جهدها لعرض شخصيات مشهود لها بالحيادية والنزاهة العلمية، تحرج بها بقية الكتل المعارضة على أمل ضمان تجميع العدد الكافي من الاصوات.

الشخصية التي تم انتخابها منذ البرلمان الفارط هي شخصية مهنية ومشهود لها بالحيادية والنزاهة ولذلك نالت ثقة البرلمان السابق باحرازها على العدد الكافي من الاصوات دون بقية المترشحين، ولو لا حيادها لما نالت تلك الاصوات.

الدستور يقيد المترشحين في حدود ثلاثة ارباع، اي تسعة من اثني عشر عضوا، بشرط التكوين والخبرة في القانون لمدة عشرين عاما على الاقل. هذا الشرط بقدر ما يتيح لرئيس الجمهورية أريحية في اختيار اربعة اعضاء بالتمام والكمال، بقدر ما يضيّق الخناق على الكتل البرلمانية، فهامش الاختيار سيزداد ضيقا وصعوبة.

المحكمة الدستورية كانت لتكون عربون صدق واحترام للدستور يعرضه رئيس الجمهورية على معارضيه من الحزام البرلماني المؤيد للحكومة، فيتعالى رئيس الجمهورية بذلك عن الصراعات الحزبية المقيتة والتي بنى حملته الانتخابية على نبذها، ولا يسقط في مستنقع التجاذبات المدمرة لدولة هو الساهر الأكبر على حماية دستورها وضمان عزتها.

وهب ان بعض البرلمانيين لوحوا بوجوب الاحتكام للمحكمة الدستورية لحسم الخلافات الدستورية بين مؤسسات الدولة، فهل هذا عيب؟ أليس بمثل هذه الآليات تعمل مؤسسات الدولة في المجتمعات الواعية والمتحضرة على فض خلافاتها!؟ بدل المهاترات والكلام الاجوف والواهي! او العمل على التجييش والاحتقان والتعصب لرأي سياسي او قانوني مهما كان شاذا واعتباره هو الرأي الاصوب الذي لا يحتمل اي نقد او تعديل!؟

وهل هناك من يخشى اليوم ان محكمة دستورية باثني عشر عضوا، اربعة منهم اختارهم رئيس الجمهورية بأريحية دون أي ضغط او مساومة او تنازلات مع اي طرف، وفيها اربعة آخرون اختارهم المجلس الأعلى للقضاء الذي يشرف اليوم على تسيير المرفق القضائي، وتركيبته متنوعة بما يمنع الاحتواء، ثم سيكون الأعضاء في غالبيتهم العظمى من المختصين في القانون لمدة فاقت العشرين عاما وسيتم تجديد ثلثهم بصفة دورية كل ثلاث سنوات، أن هذه المحكمة الدستورية يمكن ان تنحرف عن مسارها وتقع فريسة احتواء من طرف سياسي ما؟ بالعكس اي دارس للقضاء يعي جيدا القاعدة الذهبية للمجلس العادل: كلما تعدد الأعضاء كلما ارتفعت حظوظ التوفق للعدل اكثر، وكلما كان القاضي فردا، كلما ازدادت مخاطر الزلل. فقد ينجح طرف سياسي ذو نفوذ ان يستميل عضوا لكن محال عليه ان يستميل اغلبية الأعضاء.

كل من يجد تبريرا في الفتوى الغريبة بسقوط واجب ارساء المحكمة الدستورية لتجاوز الاجل الدستوري الوارد في الأحكام الانتقالية من الدستور، وذلك بتعلة ان ارساء المحكمة اليوم فيه شبهة انحرافها عن مسارها الدستوري نحو الاحتواء السياسي، انما هو يغالط نفسه ويغالط الشعب، فهل ان من يملك حق تسمية ثلث الأعضاء دون قيد ولا اكراه، لن يحيد بالمحكمة عن مسارها الدستوري، وهو الذي وضع نفسه جزء من الخلاف السياسي بدل الترفع والبقاء في قدسية منصبه كجامع وحكم لكل الفرقاء، بينما البرلمان الفسيفسائي المتشرذم الذي لم يبق له سوى حق انتخاب ربع الأعضاء فقط، هو من يخشى منه ان يستخوذ على المحكمة ويوجهها لتصفية خلافاته مع رئيس الجمهورية بطريقة غير شريفة!؟

الرد على من يعتقد في وجوب تنقيح الفقرة الخامسة من الفصل 148 من الدستور قبل ارساء المحكمة الدستورية او ادخال اي تنقيح على قانونها الاساسي.

تأويل واه وضعيف، ويعتمد على تلبيس الحقائق بالمغالطات. اجل العام لم يرد في الباب المتعلق بالمحكمة الدستورية ضمن الدستور، كي يكون شرطا لازما للمحكمة، بل ورد في باب الأحكام الانتقالية. ووضع لاستحثاث مؤسسات الدولة المعنية بتشكيل المحكمة الدستورية كي تنجز ذلك في ظرف عام من الانتخابات التشريعية، فإذا انقضى العام دون ارساء المحكمة سقط الفصل الانتقالي آليا، فهو ليس قاعدة دستورية تدوم بدوام الدستور. ويبقى واجب احداث المحكمة الدستورية قائما طبق احكام الفصل 118 من الدستور، لأنه هو الواجب الدستوري الذي يقتضي احترام الدستور الوفاء به.

نعم قد نختلف مع الوضع البرلماني الحالي، وقد نعارض بشدة توجهات هذه الكتل البرلمانية او تلك، ولكن البرلمان بظروفه اليوم هو الاضمن على تعيين ثلث الاعضاء لتلك المحكمة يكون مشهودا لهم بالكفاءة والأمانة المهنية، فهو ليس برلمانا ذا لون ايديولوجي واحد يسهل عليه ترشيح من يشاء.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات