السينغال واللغة العربيّة... وعقد النّقص التونسيّة

لم أرد الخوض في الموضوع لأنّ الأمر أخذ منحى "الاشاعات الفايسبوكيّة" وما أكثرها... ولكن ما دفعني للكتابة هنا أمر آخر... تميّزت به تفاعلات كثيرة مع "الاشاعة" أغلبها يصبّ في مصبّين اثنين:

- الأول: "ما علاقة السينغال وأهله باللغة العربيّة؟"

- الثاني: "لماذا العربيّة؟"

الأوّل ينمّ عن جهل بالتاريخ وبالجغرافيا.

الثاني ينمّ عن مدى ترسّخ عقدة النّقص فيما يخصّ مكوّنا أساسيّا من مكوّنات هويّتنا في تونس. ألا وهو مسألة اللّغة العربيّة.

السينغال تنتمي من حيث التاريخ إلى رقعة جغرافية كانت تسمّى لفترات طويلة بامبراطورية غانا... علاقتها بالحضارة الاسلامية (دينا ولغة) تعود على الأقلّ إلى القرن 11 ميلادية... أي عصر يوسف ابن تاشفين والدولة المرابطيّة... أمّا علاقتها بالاستعمار الفرنسي (وبلغته) فهي تعود فقط إلى القرن 19 ميلادي!

فيما يلي بعض المعطيات الهامّة عن اللغة العربيّة استقيتها من موسوعة ويكيبيديا:

"ٱللُّغَةُ ٱلْعَرَبِيَّة هي أكثر اللغات السامية تحدثًا، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، يتحدثها أكثر من 467 مليون نسمة. ويتوزع متحدثوها في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا وإثيوبيا وجنوب السودان وإيران. وبذلك فهي تحتل المركز الرابع أو الخامس من حيث اللغات الأكثر انتشارًا في العالم، وهي تحتل المركز الثالث تبعًا لعدد الدول التي تعترف بها كلغة رسمية؛ إذ تعترف بها 27 دولة لغةً رسميةً، واللغة الرابعة من حيث عدد المستخدمين على الإنترنت.

اللغةُ العربيةُ ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي عندَهم لغةٌ مقدسة إذ أنها لغة القرآن، وهي لغةُ الصلاة وأساسيةٌ في القيام بالعديد من العبادات والشعائرِ الإسلامية. العربيةُ هي أيضاً لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كُتبَت بها كثير من أهمِّ الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.

ارتفعتْ مكانةُ اللغةِ العربية إثْرَ انتشارِ الإسلام بين الدول إذ أصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون. وللغة العربية تأثير مباشر وغير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية والتجرية والأمهرية والصومالية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية؛ ودخلت الكثير من مصطلحاتها في اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى، مثل أدميرال والتعريفة والكحول والجبر وأسماء النجوم. كما أنها تُدرَّس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.

العربية لغةٌ رسمية في كل دول الوطن العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في تشاد وإريتريا. وهي إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة، ويُحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر كذكرى اعتماد العربية بين لغات العمل في الأمم المتحدة. وفي سنة 2011 صنفت بلومبيرغ بيزنس ويك اللغة العربية في المرتبة الرابعة من حيث اللغات الأكثر فائدة في الأعمال التجارية على مستوى العالم. وفي 2013 نشر المجلس الثقافي البريطاني تقريرًا مفصلاً عن اللغات الأكثر طلباً في المملكة المتحدة تحت عنوان "لغات المستقبل" وتبين أن العربية تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم وفي عام 2017 احتلت المرتبة الرابعة. فيما يخص اللغات الأكثر جنيًا للأرباح في بريطانيا تأتي العربية في المرتبة الثانية وفقًا للمنظمة" (المصدر موسوعة ويكيبيديا).

واعتمادا على هذه المعطيات الموضوعيّة، ومن حيث المبدأ، من حقّ أيّة دولة اعتماد اللغة العربية، كلغة رسميّة أو كلغة ثانية، عوضا عن اللغة الموروثة من الاستعمار... وهذا أمر له مبرّراته الموضوعية، البراغماتية، ناهيك عن المبرّرات التاريخية والحضارية والدينيّة... ومن يرون، في تونس بالذّات، ذلك "انتحارا"... فعليهم بمراجعة معلوماتهم... وبإخضاع أنفسهم للتحليل النفسي لعلّهم يتخلّصون من عقد النقص والدونيّة...

وبعيدا عن "الفرحة" باعتماد السينغال اللغة العربيّة، وعن "العويل" على مصير السينغال (ان صحّ الأمر، والأرجح أنّه لا يعدو أن يكون إشاعة)... أرى من الضروري طرح المسألة اللغويّة في تونس فلقد بلغ الأمر الزّبى... وأضحى جزء كبير من أبناء شعبنا لا يتقن أيّة لغة... بما فيها الدّارجة! ولا أحتاج إلى التذكير هنا بما للفكر وللغة من علائق وطيدة… وهنا مكمن الخطر… كيف يمكن لشعب لا يملك لغة أن يكون له فكر؟ لقد وقع ضرب اللغة العربية خلال فترة ما يسمّى ب"الدولة الحديثة" أكثر ممّا ضربها الاستعمار نفسه… واليوم وقد عمّ التعليم الخاصّ في البلاد وأصبح موازيا للتعليم العمومي… فالأمر أشدّ خطرا على امكانيّة تملّك اللغة العربية… إذْ أنّ ما يتّسم به التعليم الخاصّ في بلادنا، وتلك علامة "تميّزه" أنّه يرتكز على اعتماد لغات "النجاح" في الحياة (الفرنسيّة، الإنجليزية، أساسا)، في حين اقترنت اللغة العربية بصورة الفشل والتقهقر…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات