الصّدمة

درس في المدرسة العمومية وتخرّج استاذا مساعدا في الجامعة ..ابن من أبناء تونس البررة هكذا نظرنا اليه من إطلالاته التلفزية بصوته الجهوري يحلل شؤون السياسة بنبرة ممتلئة وعربية فصيحة. وتعجبنا من هذا الرجل الذي يفكر ويتحدث معا بسرعة مذهلة كما لو كان يستظهر قصيدة بحضرة معلمه .

فاجأنا بترشحه للرئاسة فانتخبناه بنسبة عاليه متوسلين فيه النظافة وبراءة الذّمّة ولما فاز بفارق شاسع عن منافسة تنفّسنا الصعداء وردّدنا في أنفسنا ببراءة الأطفال بأننا هذه المرّة قد أوصلنا الى سدّة السلطة فارسا مغوارا سيقطع دابر الفساد وسيملأ الدنيا عدلا ....

غير أننا والفخر - تنتفخ به أوداجنا وتعلو به رؤوسنا بين الأمم - طفقنا نصطدم برئيس لا يشبه الرؤساء دون أن ينتابنا الشك في نظافته وإخلاصه .. لكنه وقد جاء الى السلطة ليحكم في بلد أكله الانتقال ونهبته اللصوص.. وبعد استماعنا لخطبه التي كان يلقيها على الجماعة وعلى الفرد الواحد وهو سلوك مستحدث لم يكن لنا به سابق عهد .

وبدأ الستار يرتفع شيئا فشيئا عن رئيس مختلف عن من حكمنا من الرؤساء. وخلال ما يناهز السنتين كان معظم حضور الرئيس يكاد يقف عند " الخطابة " ولم نره يفعل شيئا ولا حتى القيام بمبادرة تشريعية …

الرئيس لم يكن مقتنعا لا بالدستور ولا بالنظام السياسي ولا بالنظام الانتخابي كانت له رؤية أخرى طرحها باستحياء وفسّرها رفيقه رضا لينين وهي رؤية طوباويه يتطلب تنزيلها الى أرض الواقع إعادة للدستور او بكلمة فسخ كل شيء والبدء من الصفر بعد ان أضعنا ثلاث سنوات في كتابة دستور الجمهورية الثانية .

ظل الرئيس ينتظر فرصة ليخرج تصوره للحكم من رأسه الى الممارسة على ارض الواقع وفي الاثناء زار فرنسا وامتدحها ثم أرض الكنانة وامتدح سيسيها ومنحنا فرصة العيد المكورن ثم عقد العزم وقبيل ساعة الصفر اعلمت فرنسا التي كانت في سر الالهة بعض الدول التي دعا بعضها رعاياه الى مغادرة تونس وهكذا أنجز الرئيس انقلابا دستوريا كما فعل اخ له من قبل عندما قام بانقلاب طبي …

تونس مختلفة في كل شيء حتى في انقلاباتها المغسولة بثلج وبرد …

التونسيون بعد أن صرخوا حتى انقطاع النفس " بن علي هرب " الفوا انفسهم يستمعون الى صيغة أخرى من صيغ الانقلاب أملاها خطر داهم وأوسع لها الدستور في مادته الثمانين مخبأ مريحا وهي كفيلة بعد تعطيرها بكل روائح البركة أن تهب الفعل الانقلابي الشرعية المطلوبة. وأشد ما يخيف التونسيين إقحام الجيش في السياسة وهي خطيئة لم يسبق اليها الا في مصر وسوريا واليمن والعراق وهاهي تأخذ لها مكانا في شمال افريقيا ..

طبعا السيد الرئيس لم ير فائدة من إخطار التونسيين بما يزمع الإقدام عليه ولم يستشر الهيئات الدستورية في ما يضمر إبلاغه للعموم عبر التلفاز. أترانا عدنا الى بيت الطاعة وما كدنا نغادره على يدي الأستاذ الجامعي مدعوما بجيشنا الوطني ،والنفاق الدولي وضاحي خلفان الذي بشّرنا في تغريدة له بأن خيرا عميما سينزل علينا قريبا .

اللهم أفرغ علينا صبرا وجنّبنا الشبهة وارزقنا برد اليقين.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات