الدولة لا تتقدم الا بتقنيين يؤتى بهم و يمكنون بحوافز و تأهيلات على مستوى عملهم ، فينهضون بمجالهم و يطورون اختصاصهم و يبدعون في بوتقة عملهم ... و يرقى البيروقراطي الأكثر كفاءة و يؤهل الأقل و توزع المراكز على أساس الجدارة و يؤتى الحقيق بحقه ما يناله و يستحق ... كل ذلك على رأس عمله!
أما أن يؤتى بشرذمة سليلة جهاز بيروقراطي و تعطى لهم مقاليد الحكم و يسلمون دواليب الدولة فذلك عبث ، الجدوى منه ضرب مقومات العمل السياسي ... كأن يؤتى بمتخصص في الإعلامية و ينصب وزيرا للتكنولوجيا و الاتصالات ، ما الذي سيقدمه للقطاع ؟ أو ينصب رجل متخصص في القانون في مركز التشريع و كأنّ التشريع صار عملية تركيب النصوص و تأويلها... لا استشراف و نظر في الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و معالجتها ، بنصوص كمسلك من المسالك لنتفق أنه و من المسلم به أنّ السياسي هو من يأتي بالأفكار و يطبقها بأدوات الفنيين ... فهو الأصل و مركز التوجهات و القرارات و إنّ موجة تطفل الفنيين و المختصين على الحياة السياسية على حساب تهميش رجال السياسة في الأونة الأخيرة هو المتسبب في الأزمة الحالية ...
من الذي يعرف هشام المشيشي أو قيس سعيد ؟ من أي مدرسة سياسية أو ما التوجهات التي يحملونها للدولة ؟ الفني لا يحمل الأفكار و التوجهات ، هو يحسن فقط طرق طريق التطبيق و اختيار المسالك الأنسب للتنفيذ و التطبيق ... رئيس الجمهورية الحالي يعتكف على قراءة النصوص و تأويلها و لكنه لا يعتكف على العمل السياسي ، يرى من السياسة الخارجية مجرد ترسانة من الاتفاقيات الدولية ... و هذا المأزق الحقيقي …
يرى من الدولة مجرد جهاز وظيفي تحكمه القوانين الوضعية دون غيرها من الموازين ، فهو لا يحسن معرفة الموازين الخارجية و التعامل معها ... لو ألقى نظرة على قرارات مجلس الأمن الدولي و علاقتها بواقع الدول ، لفهم أن لا قانون يحكم العالم ، و انما تحكمه مصالح تفرض نفسها بقدر القوة .. أي شرعية و مشروعية يتحدث عنها هذا القادم من أروقة الجامعات !... غريب ... هو رجل يحسن تأويل النصوص ... و لكنه لا يحسن إنماء علاقات دولية رفيعة المستوى و لا يحسن أن يصنع لنفسه حزام سياسي أو اعلامي ...
افهم موقف الرجل من بعض الأحزاب أو بعض الوجوه لكنه لا يفرق بين هذا و ذاك ، يعتبر السياسة كلا و السياسيين عموما في خان واحد ! الرجل يتعاطى مع موقعه ضمن الدستور لا ضمن محاور السياسة ، و ينعزل داخل دائرة ضيقة ، في كل خطاب يذكر تأويله للدستور ، و كأننا انتخبنا رجلا لموقع فقيه دستوري ، لا موقع قرار سياسي يتطلب الحنكة و بعد النظر ...
منصب رئيس الدولة منصب سياسي بامتياز ، منصب له جسامة في أثره على المستوى العالمي و الداخلي ينبغي أن تتوفر في من يعتليه أكثر من الكفاءة الفنيّة ... هو نفسه وقع في هذا المطب عندما كلف رجل من رجال الإدارة هو رئيس الحكومة الحالي .... متوهما أن الدولة مؤسسة عمومية او إدارة ينجح في تسييرها بيروقراطي عادي غير متمرس في السياسة ...
الشعب خدعته نبرات الخطاب الذي بدى له فصيحا و طرب لسماعه و لم يكلف نفسه عناء التدقيق في مضامين خطابه و عمق توجهاته ، هو أخطر من الديكتاتورية لانه يستبطن وأد كل مواطن السياسة ، و تحويل المؤسسات السياسية إلى مجرد مرافق تقطع مع ديناميكية الفكر ! يتبع