في غياب الإصلاحات الجوهرية، لا معنى للوقوف كثيرا عند تقرير محكمة المحاسبات…

Photo

رغم أهمية خطورة وأهمية تقرير محكمة المحاسبات حول تجاوزات انتخابات 2019، إلا أني أعتقد ان الوضع أعقد بكثير من مجرد الاكتفاء بخلاصاته المدينة لبعض الأحزاب والمرشحين:

1- الانتخابات حصلت منذ سنة كاملة، حصل فيها تشكيل حكومة، وسقوطها، وتشكيل أخرى... وتحالفات برلمانية، ومعارك كبيرة... بما يعني التأخر الكبير في القيام بهذا التدقيق... ويفترض أن هذا التقرير لا يتجاوز شهرا أو شهرين عن تاريخ الانتخابات. كي تحصل مفاوضات التشكيل على قاعدة سليمة قانونيا، بدون تزوير أو تحيل أو فساد..

2- قانون الانتخابات وتمويل الأحزاب ما زال فضفاضا.. ولا يمكن الاعتماد عليه من أجل وضع إطار قانوني يمكن محاسبة الأحزاب على أساسه.

لا توجد وسائل لضبط مصادر التبرعات الخارجية.. عبير موسي مثلا أنكرت تمويلات أجنبية رغم ثبوت ذلك في حساباتها البنكية، وقالت أنها تبرعات وصلتها من مجهول، وهي لا تريد هذه الأموال.. بل وطالبت بتتبع قضائي لهؤلاء المتبرعين.. كيف يمكن منع هذه التبرعات؟

بعض أتباع النهضة في أمريكا تكفلوا بتغطية حملة اتصالية من جيبهم الخاص.. لا يوجد إطار قانوني واضح يمنع من ذلك..

تمويل حملة نبيل القروي وفضيحة التعاطي مع شركة ضغط إسرائيلية، كان يفترض التحرك القضائي فيها بشكل عاجل بمجرد خروج تصريحات الإسرائيلي فيها.. توجد ثغرة قانونية خطيرة (وواضح أيضا ضغوطات دولية) منعت من التحرك وقتها.. وأدت للإفراج عن نبيل القروي ومواصلته للحملة الرئاسية.. عودة هذا الملف الآن لا قيمة له سوى إظهار الجهاز القضائي بمظهر المتلاعب والمتردد.. فبين الإيقاف الأول وتقرير اليوم لا توجد أدلة إضافية أو قرائن جديدة تقريبا.. كل ما نشر الآن في تقرير المحاسبات كان معروفا من أيام الحملة..

3- وماذا عن تمويل الأحزاب والانتخابات وبيع وشراء النواب في فترة 2011-2019؟ عشرات القصص تم الحديث عنها ولم تحصل أي ملاحقات حولها..

لماذا التوقف فقط عند تقييم انتخابات 2019، في حين أن المشهد بكامله تشكّل أصلا من قبل موعد الانتخابات..

هذه التساؤلات تجعلني أعتبر أن:

1- التعاطي القانوني مع التقرير الحالي لمحكمة المحاسبات هو حل ترقيعي سيخلق إشكالات أخلاقية متعلقة بعدم المساواة في المعاملة، وفيه كثير من الخلل في مجال "حوكمة الأحزاب والانتخابات"..

2- أشك كثيرا في قدرة القضاء على الحسم "السليم" في مخرجات تقرير محكمة المحاسبات... وغاية ما سيحصل هو الاستثمار والتوظيف السياسي لهذا التقرير، في معركة الاتهامات المتبادلة بين الخصوم.

3- توجد عشرات الإخلالات والعقوبات المعلنة في القوائم التشريعية، ما زالت غير محسومة منذ انتخابات 2014.. وهذا كله يخلق نوعا من التراكم الخطير في الخلل في المشهد.. يعني بكل بساطة، كل المشهد السياسي الذي تشكل منذ 2014، قائم على باطل تقريبا.. ولا يمكن الاكتفاء حينها فقط بإدانة إخلالات انتخابات 2019..

4- المدخل السليم لهذه الإشكالات لا يتمثل في معاقبة المذنبين على أرضية قانونية فضفاضة وغير سليمة.. وإنما في تهيئة الأرضية السليمة أوّلا، وتوفير كل مقومات المحاسبة العادلة التي تنطبق على الجميع بنفس القدر..

وهذا يعني:

- تطوير النظام الانتخابي

- تطوير قانون تنظيم الأحزاب وتمويلها، وفرض آليات أكبر على حوكمتها الإدارية والمالية ضمانا لأقصى قدر من الشفافية.

- تعيين المحكمة الدستورية

- تطوير قوانين التصريح على المكاسب وتضارب المصالح

- تقنين عمل جماعات الضغط (Lobbying) من الداخل ومن الخارج.

- تطوير المرسوم 116، باعتباره أحد أخطر منافذ التحيل في العملية الانتخابية (وليس فقط تمويل الأحزاب كما يظن).

- إعادة هيكلة االهايكا بما يضمن سلامة إطارها القانوني وعدم توجيهها أو توظيفها سياسيا أو إيديولوجيا، ومنحها صلاحيات أكبر من أجل فرض عقوبات قابلة للتنفيذ السريع في حالة التجاوزات…

- تطوير قانون الجمعيات.

- آجال قصيرة (شهر أو شهرين كأقصى حد) للبت قضائيا في سلامة الانتخابات وتمويل الحملات.

- إلخ…

في غياب كل هذه الإصلاحات الجوهرية، لا معنى للوقوف كثيرا عند تقرير محكمة المحاسبات.. يجب النظر للمستقبل من أجل بناء أرضية سليمة، بدل التركيز بشكل أعرج على الماضي بأخطائه المتراكمة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات