نصف عام في النفق!

تلكم السواعد المتوضئة، والجباه المضيئة،كفّ الطاهرة، والقلوب النقيّة، والصدور المحملة بالثأر، والرئات الضيقة من ندرة الهواء وصعوبة التنفس، بالرباط في باطن الأرض أكثر من ستة أشهر من السجال، وقبلها سنوات من الإعداد، وما زلتم واقفين، ثابتين، قابضين على جمر الألم وصبر الفقد، معاهدين الله على إعلاء كلمته في الأرض، أو الصعود إليه في السماء!

فديتكم أبي وأمي، فديتكم قلبي وروحي، فديتكم عنقي وكبدي، فديتكم عقلي وصدري، فديتكم حياتي وعمري، فديت نعل أصغركم -وليس فيكم صغير- برأسي، وأنتم أيضًا رأيتم ما رأيتم، وتُرونهم ما ترونهم، ممثلين وحيدين عن الشعب الموحّد، بلا رجفة خوف ولا إرجاف باطل.

ستة أشهر وأكثر، وما زلتم تتمترسون بعظامكم في أرض الله ومقدساته، تعرقلون الدبابات بأجسادكم، وتبتلعون الغارات في دواخلكم، وتربّون الثأر والألم وفراق المودّعين انتقامًا في ضلوعكم، وترون الله نصب أعينكم، وتتوعدون أعداءه بمارد يخرج من تحت الركام، عمره ألف عام، يتمدد، ويتبغدد، ويسدد، ويلعن أم إسرائيل.

مِمَّ تبني أمريكا ميناء غزة العائم؟

يبنونه من ركام المنازل المقصوفة، المختلطة بعظام أهلها الشهداء وأشلائهم، الذين لم يُنتشلوا بفعل القصف والتوغل الإسرائيلي، وبالتالي تُلقى آخر الأدلّة على وفاة الآلاف، المسجلين تحت بند "مفقود" لدى الصحة الفلسطينية، وربما من يتسلم المساعدات الأمريكية، ستكون جمجمة أبيه تحت قدميه.

تلك الفظائع لو نقلنا مثلها عن الأندلس قديمًا، عن محاكم التفتيش، عن الحروب العالمية، عن الحروب الصليبية، عن أشنع الجرائم في التاريخ، فلن يصدقها أحد، وسيختلف حول حقيقتها المؤرخون، أما اليوم فنراها رأي العين، ليس في جزيرة معزولة عن العالم، وإنما في غزة، مرقد جد النبي، ومحيا أحفاد الصحابة، وأبناء جلدة العرب، وهي تتوسطهم، بينما يطعمون أكبادها للعدوّ مقابل العروش والنفوذ والسلطان.

يا رب زلزل، يا رب دمّر، يا رب انتقم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات