حتى لا يشرب رئيس الجمهورية من نهر الجنون

● أسطورة نهر الجنون ودلالته

أولا ـــ الرواية

تروي الأسطورة أن نهرا عذبا سرى في مدينة هادئة فأقبل عليه أهلها يشربون منه بتلهف غير أن كل من يشرب منه يفقد عقله ويصير مجنونا ويأتي من الأقوال والأفعال ما يتناقض مع العقل ويتنافى مع القيم ولم يقتصر على عامة الناس بل وصل الأمر إلى أجهزة الدولة والحراس بل إلى القصر إلى زوجة الملك فجنت ولم ينج إلا الملك ووزيره فصار المجانين يجتمعون ويتهمون الملك ووزيره بأنها فقدا عقلهما وبدؤوا يفكرون فى عزلهما. خاف الملك على عرشه واستشار وزيره فأكد له أنهما العاقلان ولكن إذا أردت أن تحافظ على الملك فلنشرب مما شرب منه الآخرون فشرب وغنى ورقص فصفق الآخرون.

ثانيا ـــ الدلالة

هذه الأسطورة من الأدب الذهني الذي اشتغل عليه الأديب الراحل توفيق الحكيم مسْرح من خلاله قضايا فلسفية إنسانية ومنها منزلة العقل في مجتمع المجانين ويطرح إشكالية صاحب العقل الذي يجد نفسه بين خيارين:

1ــ التمسك بما يمليه العقل من رؤى وقيم لخدمة المجتمع.

1 ـــ المحافظة على المصلحة الخاصة والانزلاق نحو الرداءة فقد اختار الملك أن يحافظ على كرسيه مضحيا بعقله وبمصلحة المجتمع.

وهو ما اختزله الشاعر أبو الطيب المتنبي.

ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ .

تلك هي الأسطورة التاريخية ودلالتها فما علاقتها بسياقنا التاريخي؟

●● نهر الجنون بتونس زمن تشكيل الأغلبية البرلمانية.

تعيش تونس على وقع معركة سياسية وليس مجرد تجاذبات سياسية تقوم على الفعل ورد الفعل ، تدور رحاها بين مؤسسة الرئاسة والأغلبية البرلمانية بزعامة النهضة التي بادرت بفتح النار على قيس سعيد متهمة الرئاسة بافتكاك صلاحيات البرلمان فأخذت أبعادا وطنية وإقليمية ودولية.

ولكل معركة حربية أو سياسية إستراتيجية لها إستراتيجية متكاملة لها منطلقاتها وأهدافها العاجلة والآجلة ووسائلها الشرعية وغير الشرعية وأطرافها الفاعلة داخليا وخارجيا؟ وتداعياتها أين يبدو ذلك؟

أولا ــ المنطلقات

تمكنت تونس بعد عشر سنوات من الثورة أن تحقق انجازين تاريخيين هما :

1ـ تحوّل تونس من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع فخرجت من الاستبداد إلى الديمقراطية

2 ــ الانتقال من التبعية إلى السيادة فأكدت استقلالية قرارها الوطني

غير أنها فشلت في تحقيق الاستحقاقات الاجتماعية الاقتصادية التي من أجلها تفجرت الثورة. وقد كانت انتخابات 2019محطة مفصلية أفرزظهور3 تيارات لها رؤى متباينة لمستقبل تونس وضعت تونس على مفترق 3طرق صارت معالمها واضحة .

أ ـــ تيار تصحيح مسار الثورة: كان قيس سعيد رافع لواء هذا التيار يحمّل المسؤولية للثورة المضادة والإسلام السياسي اللذين اختطفا الثورة ويتقاطع معه طيف ينتصر للثورة ويروم ترسيخ دولة المجتمع والقرار الوطني المستقل ويضم الكتلة الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني وطيف واسع من الشباب وهو في قطيعة مع الدول النافذة الساعية للهيمنة ويجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ب ـــ تيار العودة للماضي :تبنته عبير موسي رئيسة الحزب الحر الدستوري التي تلعن الثورة وترى في العودة للماضي هي الحل الأمثل وهي التي تحاول ان تستثمرمخزون التجمع في الدولة العميقة. هذا التيار وجد صدى لدى عموم الشعب الذي مازال يستبطن استبداد بورقيبة لكن الشريحة الواعية من المجتمع ترى في هذا التيار محاولة عبثية فالتاريخ لا يعود للوراء.

ج ــــ تيار الدستور التوافقي: وهو تواصل اتفاق الشيخين 15 أوت 2013 باعتباره مرجعية وفاقية بين الإسلام السياسي والثورة المضادة وهما خطان متوازيان لكنهما يلتقيان حينا ويتباعدان أحيانا همهما التموقع في السلطة والسيطرة على مفاصل الدولة وكسب الغنيمة. ويتناغم مع الخيارات الاقتصادية والسياسية للدول الامبريالية ولا يرفض إملاءات الصناديق الدولية وقد يقبل بالتطبع مع الكيان الصهيونية .

غير أن الصراع السياسي انحصر بين تيارين : تصحيح مسارالثورة وتيار التحالف بين الثورة المضادة والإسلام السياسي وخرج الحزب الدستوري لأنه لا يملك امتدادا في المؤسسات وليس له إلا حضور محدود في البرلمان 16 نائبا .

ذاك هو المنطلق فما هي الأهداف العاجلة والآجلة ؟

ثانيا ــ الأهداف العاجلة والآجلة

لكل معركة عسكرية أو سياسية أهداف عاجلة مرحلية تمهد بها الطريق نحو الأهداف الآجلة التي تثبت إقدام أصحابها.

1ـــ الأهداف العاجلة

يمكن أن نتبين بوضوح أن هناك 3أهداف عاجلة للإسلام السياسي والثورة المضادة .

أ ـــ قطع الطريق على الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل تحت إشراف رئيس الجمهورية .هذا الحوار سيضم فعاليات ذات بعد اجتماعي وديمقراطي وسيفرز برنامج عمل إنقاذ وطني تلتزم به حكومة مقتنعة به وقادرة على تنفيذه وهو ما أوحى لرئيس الحكومة بأنه مستهدف فبادر بإزاحة الوزراء النزهاء المحسوبين على الرئيس وتشكيل فريق يدين له بالولاء،البعض عليه شبهات تضارب المصالح واستمات في الدفاع عنهم حتى يستميتوا في الولاء له وهو من ناحية أخرى يستجيب لرغبة الحزام الناسف لسحب البساط من الرئيس.

ب ـــ تحجيم دور رئيس الجمهورية الذي تجاوز في نظرهم صلاحيته فما لبث يؤكد تصديه لكل مظاهر الفساد سواء بالتورط أو بتضارب المصالح ويندد بالعنف داخل مؤسسة البرلمان مما عطل الصلاح ، فتونس أرست نظاما برلمانيا للرئيس فيه دور رمزي والجمع بين المتناقضات وليس عنصرا فاعلا في تكريس قيم الثورة وحماية الدولة من الفساد.

ج ـــ أخذ زمام المبادرة وتقليص دور الرئيس من خلال

�ــ تفعيل دور الأغلبية البرلمانية المتكونة من الثورة المضادة والإسلام السياسي.

� ـ دفع رئيس الحكومة من الخروج من مظلة الرئيس والارتهان للحزام البرلماني.

2 ــ الأهداف الآجلة

رغم الظروف الصعبة لعشرية الثورة فقد تحقق مكسبان :

أ ــ خروج تونس من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع.

ب ــ تحوّل الدولة من التبعية إلى استقلالية القرار الوطني.

هذان المكسبان ترفضهما الفعاليات غير الديمقراطية في الداخل والقوى المهيمنة في الخارج التي كانت تونس حديقة خلفية لها.

فمن الطبيعي أن يتعاونا على الحيلولة دون ترسيخ هذا الانجاز التاريخي والانحراف به نحو صنع نمط جديد من الحكم لا يوحي للشعب التونسي بالعودة للماضي البغيض وفي نفس الوقت يقزّم طموحات الشعب .فالنمط الجديد للحكم كما يبدو من ممارسات الأغلبية البرلمانية والحكومة في علاقتهما بالخارج ينهض على :

� ــ التآلف بين الثورة المضادة والإسلام السياسي رغم ما يباعد بينهما.

� ــ مجابهة الفعاليات المتجذرة أو المتطرفة.

� ـــ التواصل تدريجيا مع القوى العالمية النافذة بداية من قبول إملاءات العولة ومشروع أليكا وصولا إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وسيكون المبرر هو فعالية الكيان الصهيونية في التأثير على الأوساط المالية الدولية وإخراج تونس من أزمتها كما اعتقدت وفعلت بعض قيادات الحزب الدستوري في الخمسينات لكن تونس لم تتحرر إلا بتضحيات أبنائها ودعم اخوته.

●●● الآلية : تشكيل الشرعية البرلمانية في مواجهة الشرعية الرئاسية.

يقع اختيار الوسيلة من نوع الهدف فإذا كان رئيس الدولة هو رمز سيادتها كما ينظر إليه الشعب أو كما ينص عليه الدستور فإن الوسيلة يجب أن تكون دستورية أيضا وفي هذا الإطار تقف الشرعية البرلمانية في مواجهة الشرعية الرئاسية.فكيف تم تكريس كل منهما؟

أولآ ــ الشرعية الرئاسية

حاز قيس سعيد شرعيته من خلال انتخابات حرة نزيهة شفافة حسب ما أقرته الهيئة المشرفة وجرت دورتان كان فيهما هو المتفوق وحصد في الثانية 2.777.931 صوت بنسبة72،71% يليه نبيل القروي1.042.894 صوت بنسبة29 ،27% وقد أكد تقرير محكمة المحاسبات أن الصوت كانت كلفته 30 مليما لقيس سعيد و40 د لمحسن مرزوق وهو أول رئيس تفرزه انتخابات حرة بهذه النسبة بعيدا عن تدخل السلطة وضخ المال الفاسد ودعم الإعلام المضلل .

يعتبر الرئيس انتخابه من الشعب بهذه الكثافة رسالة من الشعب لتصحيح مسار الثورة التي اختطفها الإسلام السياسي والثورة المضادة فتنافسا ثم التقى الخطان المتوازيان ، فكان عليه أن يعيد للثورة توقدها وأن يفعّل قيمها في الحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وهي مربط الفرس في الصراع غير أن هذاالطم وقفت دونه الشرعية البرلمانية. فما هي مكوناتها؟ كيف تشكلت؟ ما هو الأسلوب الذي توخته في مجابهة الشرعية الرئاسية ؟ ما هي تداعيات الصراع ؟

ثانيا ـــ الشرعية البرلمانية:

1ــ مكوناتها

تشكلت في الأشهر الأخيرة أغلبية برلمانية رفعت شعار امتلاك الشرعية الدستورية مصدرالسلطة نتيجة لتحالف بين الإسلام السياسي والثورة المضادة وأحزاب المناولة.

أ ــ الإسلام السياسي ومن أهم مكوناته.

� ــ النهضة فهي ترغب في أن تكون مصدر القرار باعتباره الحزب الأغلبي.

� ـــ ائتلاف الكرامة تدعي أنها اشد تجذرا.

�ـــ مكونات صغيرة تختلف وتأتلف.

ب ـــ الثورة المضادة وأساسا شظايا النداء سليل التجمع فالدستور.

�ـ قلب تونس يسعى لان يخرج من أزمة التورط في الفساد التي تورط فيها رئيسه.

�ـــ تحيا تونس.

�ــ المشروع.

ج ـــ أحزاب المناولة: البديل وأفاق

فقد استطاعت هذه المكونات أن تجمع حوالي 140 نائب وفي مجابهة هؤلاء تقف الكتلة الديمقراطية 38 نائبا المتكونة من حركة الشعب والتيار الديمقراطي والحزب الدستوري 16 نائبا وهما خطان متوازيان وبعض المستقلين ويبلغ عددهم الجملي حوالي76 نائبا.

2 ـــ كيف تشكلت ؟ الغاية تبرر الوسيلة

هذه المكونات شكلت أغلبية برلمانية شرعية لمغالبة الشرعية الرئاسية من خلال تمرير الحكومة التي شكلها المشيشي وهي لا تمتلك أي خيط ناظم بينها غير التموقع في السلطة وكسب الغنيمة بكل الطرق.وحتى تتضح صورتها النمطية أقدم عينات تشكلت على أساسها الأغلبية البرلمانية:

أــ طمأنة رئيس البرلمان لحزب قلب تونس على مصير رئيسه

كان نبيل القروي بالسجن تلاحقه العدالة بعدة تهم ومصيره بيد القضاء .لتمتين العلاقة مع حزب قلب تونس قدم الغنوشي حكما استباقيا بتبرئة رئيسه فقد صرح يوم الخميس14 جانفي 2021، <<أن ''القضاء سينصف القروي وسيخرج من السجن معززا مكرما''.>>والملاحظ أن أغلب الفعاليات الوطنية تتهم القضاء بموالاة النهضة والتغطية على تجاوزاتها، فهذا التصريح هو حكم استباقي لطمأنة قلب تونس واحتوائه في الصراع.

ب ـــ صفقة إدانة الكتلة الديمقراطية لاحتواء ائتلاف الكرامة

على الساعة الواحدة من يوم 27 جانفي 2021 بعد الانتهاء من التصويت على القائمة التعديلية للحكومة ليلة 26جانفي أصدر مكتب رئاسة البرلمان لائحة يدين فيها نائبين من الكتلة الديمقراطية لاستعمالهما العنف اللفظي ضد ائتلاف الكرامة الذي اشتراط تصويته للحكومة بهذه الإدانة. وقد سبق للمكتب أن أدان ائتلاف الكرامة يوم 15جانفي 2021 لاستعماله العنف الجسدي الذي سالت فيه الدماء بعد شهر من الاعتصام احتجاجا على العنف الذي وقع في 7 ديسمبر 2020 واضراب الجوع الذي نُقلت على أثره السيدة عبو للمستشفى، فإدانة الخصم تطلّب اعتصاما لشهر و10 أياما مع إضراب جوع بخمسة أيام وإدانة الصديق تطلبت صفقة تمت في أقل من 24 ساعة.

إن هذه التصرفات ــ بالإضافة إلى ما يعيشه البرلمان يوميا من فوضى وعنف وشتائم ـــ تكشف بجلاء الخلفية اللاأخلاقية المحركة لهذا الرهط ، فهي تتراوح بين الغدر والمساومة والوصولية والابتزاز وعلى أساسها تشكلت الأغلبية البرلمانية التي تغالب الشرعية الرئاسية.

ثالثا ــ المشيشي عصفور نادر في قفص النهضة : ماذا وراء الأكمة؟

من أهم التساؤلات التي لم تأخذ حيزا واسعا من النقاش عن غفلة أو تغافل من الإعلاميين والمحللين هو : لماذا تحوّل المشيشي من شخصية مؤتمنة ـــ يثق بها الرئيس ،عيّنه مستشارا للأمن فوزيرا للداخلية فرئيسا للوزراء ـــ إلى عصفور نادر في قفص النهضة، خصم لدود في أيام معدودة فيرتمي في أحضان المعسكر المضاد؟ ثم يتناول العشاء ضمن هذا المعسكر، وهو ما أطلق عليه خطأ العشاء الأخير، فالعشاء تمّ بين النبي عيسى وحواريه 13 فخان أحدهم(يهوذا) نبيه عيسى ووشى به للسلطة فصلبته وكان لهذا الحدث انعكاسات في العقلية الأوروبية فلا يكتبون رقم 13 على منازلهم فيتشاءمون منه باعتباره رمزا للخيانة ويستعيضون عنه برقم 12 مكرر، أما العشاء الراهن فقد تم بين قيادات الإسلام السياسي والثورة المضادة وهو أقرب إلى<< التعاهد على النعمة >> ومن اليوم الأول صرح نبيل القروي يوم العشاء1 سبتمبر 2020 بمحتوى الاتفاق وهو : التخلص من الوزراء الذين اقترحهم الرئيس وإقحام وزراء من الحزام. فهل يؤدي مجرد الاختلاف حول تسمية بعض الوزراء لهذه القطيعة؟ كيف يمكن للمشيشي ان يتنكر بين عشية وضحاها لمن ائتمنه خلال سنة ويثق بفريق مشبوه وهو يعرف مسبقا تركيبته وعلاقاته وأهدافه؟ كيف يمكن للغنوشي ــ وهو المحنك ــ أن يحتضن هذا الملتجئ إليه من الرمضاء بهذه السرعة ؟ ألم يخامره شك في عملية اختراق يقوم بها الرئيس؟ فلْنأخذ الأمر على ظاهره.

يريد المشيشي أن يكون رئيسا لا وزير أول فسار على خطى الشاهد الذي افرغ النداء وأسس تحيا تونس ثم جاءته التعزيزات من شظايا النداء ومن الإسلام السياسي الذي وجد الفرصة لتمزيق النداء وإنهاك الباجي فعجلوا بنهايته .لم يكن الشاهد مرتهنا تمام الارتهان لحلفائه فحافظ على هامش من الاستقلالية وهو ما لم يتوفر لهشام المشيشي الذي ارتمي منذ اللحظة الأولى في أحضان الإسلام السياسي الجريح بعد سقوط حكومة الجمني النهضوية وفي أحضان قلب تونس المورط في الفساد فكان أسيرا لهذين الطيفين اللذين شكلا قطب الرحى لكل الراغبين في التموقع وأصحاب المصالح .كل هؤلاء يعتبرون الرئاسة عقبة كأداء يجب التغلب عليه حاليا وإزاحته مستقبلا فعقدوا تحالفا بين لحكومة والأغلبية البرلمانية فماذا أفرز؟

رابعا ـــ ليّ ذراع رئيس الجمهورية

1ــ تحدي المشيشي لقيس سعيد

أزاح المشيشي من حكومته وزراء معروفين بنزاهتهم وكفاءتهم وخاصة وزير الثقافة الدكتور الضرير وليد الزيدي والمحامي توفيق شرف الدين وزير الداخلية وغيرهم باعتبارهم منسوبين على الرئيس واستبدلهم بعناصر موالين له ،البعض منهم حولهم شبهة تضارب مصالح .تجرع الرئيس مرارة القرار وقبل مكرها بإزاحة الوزراء النزهاء الذين اقترحهم على المشيشي احتراما لصلاحيات رئيس الوزراء الدستورية وطلب منه تجنّب تعيين وزراء حولهم شبهة فساد ويبدو أنه كان على دراية بما يدور بين المشيشي وحزامه حول الشخصيات المقترحة إلا أن المشيشي ووسادته تعمدا استفزازه فاختارا أربعة ممن تحوم حولهم شبهات وصادق عليهم البرلمان وبعث بها رئيس البرلمان إلى رئيس الدولة والواضح أن الهدف هو وضعه أمام خيارين مرفوضين بالنسبة له فيم يتمثلان؟

2ــ وضع الرئيس أمام الأمر الواقع

تعمّد المشيشي استفزاز قيس سعيد فأقحم 4عناصر من تحوم حولهم شبهات فياد او تضارب مصالح ليحقق 3 أهداف :

أـــ أن يضمن ولاءهم فهذا النوع ينصاع دون نقاش.

ب ـــ ان يسترضي المخدة التي يسند لها رأسه.

ج ـــ وضع رئيس الدولة بين خيارين أحلاهما مرّ.

�ـــ القبول بالعناصر التي عليها شبهة فساد وبذلك تنتهي مصداقيته ويصير كالهر يحكي صولة الأسد.

�ـــ رفضها بعد مصادقة البرلمان عليها وإذاك سيُتّهم بعدم احترام الدستور.

وقد أثارت هذه المسألة جدلا ساخنا بين أساتذة القانون الدستوري لكن الأغلبية تؤكد على ضرورة توفر ثلاثة شروط حتى تكتسي الحكومة شرعيتها: مصادقة البرلمان وقد حصلت وموافقة رئيس الدولة وأداء اليمين الدستورية ولم يتوفرا. ومازال الوزراء الجدد لم يباشروا مهامهم رغم مرور الحيز الزمني المحدد وهو 72 ساعة.

●●●● إشكالية الطرد المسموم وأبعادها السياس

لا أبحث في<< هل هو حقيقة أم افتعال ؟ >> فالقضية صارت بيد الأمن وتحت أنظار العدالة. لكن العديد من المؤشرات ترشح بصدقية الحدث.

أولا ـــ أن التحاق مديرة الديوان بالمستشفى العسكري للعلاج ــ بما عُرفت به هذه المؤسسة من جدية وحرفية ومصداقية ــ لم يكن إخراجا مسرحيا.

ثانيا ـــ إن قيس سعيد يدرك تمام الإدراك تداعيات الإيهام بجريمة على الدولة وعليه شخصيا فيستحيل أن يمرر هذا الفعل آو يسمح بتمريره.

ثالثا ـــ إن مثل العمليات تنسجها أجهزة مخابراتية ترسم لها الخطط وتختار العناصر المنفذة وتحدد أهدافها القريبة والبعيدة ولا أعتقد أن قيس سعيد أو فريقه يتمتعان بهذه العقلية لذا فهما غير قادرين أن يفعلا ولو أرادا.

رابعا ـــ الأقرب إلى المنطق أن قصر قرطاج مخترق ومما يدعم ذلك:

1ــ أن التسريبات التي تناولها بعض وسائل الإعلام ومفادها أن الرئيس بدأ يطرح الملفات الحارقة المتعلقة بفساد الثورة المضادة أو بملفات الإسلام السياسي التي لم يتمكن الباجي من طرحها ومن أهمها ملف الجهاز السري.

2 ــ إن هذا الطرد أتى متزامنا مع رسالة رئيس البرلمان بعد تشكيل الحكومة التي يرفضها رئيس الدولة فهي رسالة تهديد غير مباشر ولإشعاره<< بأنك على مرمى حجر ومرأى بصر وأن تصفيتك ممكنة وسهلة وليس أمامك إلا الانضباط >> ــ إنها رسالة أخرى لقيس سعيد مفادها إننا قادرون على الوصول إليك في عقر دارك في قصر قرطاج بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية.

ـــ لا تشرب من نهر الجنون ولا تأكل من شجرة الخلد

إن الثورة التي حققت لتونس انجازا تاريخيا فأخرجتها من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع ومن التبعية إلى السيادة وهو انجاز لم يسبق لغيرها من الدول العالم الثالث أن أنجزته صارت اليوم مهددة بعد أن هيمن التحالف بين الثورة المضادة والإسلام السياسي متوخيا أسلوب الغاية تبرر الوسيلة فسادت قيم الغدر والمساومة والصفقات والنفاق والابتزاز والعنف الذي يمارس يوميا في مؤسسة اختارها الشعب لتكون مثالا نموذجيا في الأخلاق والسلوك وحسن الأداء.

لذا من حقي كمواطن بل من واجبي أن اقول: ـ لرئيس الجمهورية -- الذي أعتقد أنه لايخلو من النزعة النرجسية لكنه حقق انجاز اخلاقيا تاريخيا في عالم السياسة وهو أنه حول المقدس إلى المدنس ـــ لا تخضع لمساومات القبول بالفساد فلا تشرب من نهر الجنون مهما كان عذبا و لا تأكل من الشجرة حتى ولو كانت شجرة الخُلْد.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات