حقيقة ظلم النّفس والبشر

Photo

إنّ الظروف والشروط العائليّة والإجتماعيّة والبيئيّة والثقافيّة والفكريّة والتربويّة والإقتصاديّة والسياسيّة قد تحدّد وتوجّه مصير البشر وتبرمج عقلهم الباطن وتحيلهم للخضوع والرضا والخمول والسّكون لتفقدهم حرّيتهم وإرادتهم لتغيير ما يجب تغييره كما أنّ عتاة وغواة البشر المترفون يسلبون كرامة البشر وشهامة الشّرفاء منهم ويدوسون على كرامتهم يحدّدون لهم سقفهم الإجتماعي وسلم رقيّهم ومجال حركتهم وحدود حرّيتهم .

إنّها تربيّة نفسيّة وحركيّة على مقاسهم لسلب حقوق المستضعفين وطمس مواهبهم ونهب خيراتهم حتى يستمتع دهاة البشر وسلاطينه وملوكه وحكّامه بوجودهم ويحلوا لهم زمانهم ويعيش السواد الأعظم في الخصاصة والبؤس والحرمان دون طموح وتطلّع لغد أفضل ولرتبة أنسب وعيش أرغد فالأيّام واحدة ولا إختلاف في نوع البشر إختلفت أساليب الخداع والخداع واحد والإنسان لم يتغيّر والحياة لمن غلب .

ليس للقضاء والقدر جبرا وقهرا على مصائرهم بل بالعكس إنّه ظلم البشر الذي يستوجب المعالجة والتغيير وقلب المعادلة لظلمه وقهره وتقييد حرية البشر وسلب إرادتهم ولقد كانت دائما دعوة الأنبياء والرسل نصرة للمستضعفين وتغييرا لواقع الإستعباد ونقضه وهدمه وهداية للإنسان وتحريره فكانت تتصادم مع المترفين الظالمين وكل القوى المتسلّطة السّارقة للإنسان المزّيفة وعيه الناهبة لكل الخيرات الطامسة لكل معاني وحقائق الوجود الجميلة والفطرة السليمة .

إنّ من وسائل ظلم البشر التّضليل والتّدمير والتّعليم الموجّه المبرمج لكي تحافظ السلطة الحاكمة على مصالحها وحظوظها وكذلك المغالطات والتشويه والقصف الإعلامي المستمّر فالداء في الحاكم الظالم المستبدّ يخدع الجماهير والمفكّر والسياسي الماكر والمثقّف المزيّف لوعيهم المغيّب لوجودهم ومعانيهم الحقيقيّة ووعاظ السلاطين الآكلين من مأدبتهم المستفدين من الواقع يسرقون عقول النّاس في غفلة منهم والمواطنين السّلبيين الخانعين الخاضعين الراضين بالهوان الذي نسمع من كلامهم " أقام العباد حيث أراد " و"المكتوب على الجبين لا بدّ أن تراه العين " و"قسمة ونصيب وحظوظ " أبّدوا الواقع فلقد ضيّعوا حقوقهم و حظوظهم وتكاسلوا بإسم القضاء و القدر ناموا واسبتوا في بيئة الجهل والوهم والغفلة بينما غيرهم إستيقظ في الظلام وجدّ السّير فوصل .

إنّ الطبقة المحظوظة ماديّا المتعلّمة الذي خبرت فقه الواقع والمنازلات تنازع وتحارب من أجل المناصب والإمتيازات ودوام ثرائها ورخائها وتحرم ما دونها من الطبقة الأخرى المسحوقة من الإرتقاء والتمتّع بالخيرات ونيل حظوظها وحرمانها من إمكانيّة القيادة والسيادة .

أمّا الطبقة غير المحظومة ماديّا فيصارع أفرادها فرادى من اجل البقاء وتحصيل القوت يخيّم عليهم الفقر والجهل والمرض والعجز يرافقهم بؤسهم ووهمهم وسوء فهمهم يمثّلون الصورة الحقيقيّة لتخلّف الوطن دون تجميل وزيف معاني فهم ملح البلاد وطينته وتربته لا يتركون الوطن عند إشتداد المحن والكوارث والهزّات الإجتماعية العنيفة وغيرهم من الميسورين والمحظوظين يغادر ويفارق لامبالي فهمّهم بطونهم وحياتهم الدنيويّة المترفة .

ظلم البشر حقيقة ولا بدّ من رفع الإلتباس والغشاوة على بصائر العباد فلقد أصبح الواقع العائلي والبيئي والإجتماعي والتربوي والسياسي والإقتصادي قدرا لعامة البشر فاستكانت واستسلمت وعلّقت عجزها وتقصيرها وفشلها وبؤسها على شمّاعة القضاء والقدر في حين تقدّم العالم الغربي بالإعتماد على إمكانياته ذكائه مواهبه وحريته وإرادته ولم يجعل لمفهوم القضاء والقدر السّلبي سلطانا وقيدا يعيقه فلقد إستهلك شحنة وجوده وبطاريّة حريّته وإرادته في إدارة وتنظيم شؤونه والتغلّب على الصعوبات ورفع التحدّيات وتجاوز شتّى العقبات فحتّى الموت صارعه محاولا أن ينتصر عليه بمغالبة ومعالجة أسبابه ومسبّباته ووفّق في إطالة أمل الحياة بتخفيض وتقليل معدّل الوفيات لتنعم البشريّة بوجودها فترة أطول فلقد عالجوا القدر بالقدر ونجحوا لعلمهم أنّ للموت أسباب وراثيّة وبيئية ملتصقة مرتبطة بوجود البشر موضوعيّا وماديّا .

إنّ المعركة تدور في داخل النفس المغيّبة الخانعة المزيّف وعيها وفي شارع الدّنيا والمجتمع الغاصّ بالفاسدين والأدناس والأرجاس سالبي الحقوق والحظوظ والمواهب مدنّسي الطبيعة والفطرة البشريّة أعداء الحقّ والعدل والجمال.

لا بدّ من تصحيح مسار الإنسان والزمان بمواجهة فكر الجمود والسلبيّة والإستحمار الثقافي والإذلال البشري ونصرة الحقّ ودحض الباطل وكشف الشبهات ورفع اللبس والغشاوة عن الأبصار والأنضار والبصائر فالفئة الحاكمة المتخمة المسيطرة تستغل وتستثمر الظروف لصالحها وتغيب وعي الطبقة الأخرى المحكومة المحرومة.

الإنسان عامّة يخضع لاشعوريا ولاأدريّا لتأثير ظروفه وبيئته ومجتمعه وإطاره الفكري وضغط الطبقة المسيطرة ومنهجها الخفيّ لديمومة تفوقها وقيادتها ولكن الإنسان الواعي الحرّ الثوري يتجاوز العوامل القهريّة والشروط الجبريّة لزمانه ليتغيّر من صورة المعلول إلى صورة العلّة بقدر نضجه ووعيه الذاتي ليصارع ويساهم في ثورة الجماهير وقلب المعادلة بالفكر الثوري والوعي المطابق بالعلم وفقه الموازنات.

ولا بدّ من إنتاج ثورة جوهريّة عميقة في الأرواح السّاكنة وفي الأشباح السائرة والعقول المعطّلة والقلوب المغلّفة بالأدران والكثائف لتتغير معها كل القوالب والأنماط الذهنيّة والتمثلات المغلوطة والأبعاد العاطفيّة والوجدانية المزيّفة والإهتمامات والتوجّهات الخاطئة فكم من برامج سارقة للوقت وكم من جدالات عميقة مستهلكة للطاقة وأفكار ونظريات مخادعة سالبة للحرية معطلّة للمواهب قاتلة للإبداع فالوقوع في الوهم والزّيف والجهل يزيد أمد التعاسة ويعمّق البؤس ولا سبيل إلاّ بتسييس العامة فخروجهم من منطقة الإنشغال والإهتمام بمصالحهم ومصائرهم إلى منطقة الإنصراف والتخلّي تحيلهم إلى التخدير والتعويم والسلبيّة والسكون والخضوع قتلا للعزائم والمواهب والهمم.

إنّ نزع التسييس من أنواع الإحتيال والخداع وهي طريقة مثلى لإنتاج المواطن السلبي المعلول فاقد الوعي الشّخصي والإجتماعي المغيّب بشتّى وسائل الإستحمار لبيقى مقيّدا مستهلكا وإن ظن أنه حرّا منتجا.

فمن مهمة المفكرين الثوريين الأحرار إنارة سبيل العامة والجماهير بتحصينهم من الإستلاب والإستحمار والتخدير والتضليل بتحفيز نباهتهم الفرديّة الذاتيّة وعيّا بقدراتهم وقيمتهم ومواهبهم إيمانا بذواتهم وحريّتهم وإرادتهم وأصالة كرامتهم وذلك بخلع طابع الخضوع والجمود وتبرير الواقع المعاش من عقولهم وبالنباهة الإجتماعية يكرّس الوعي الجمعي والهدف والمسؤوليّة الجماعية للتغيير وقلب المعطيات لصالح الطبقة المسحوقة ونيل حقوقها.

من دواعي الثورة الفكرية معرفة وكشف وتعرية المسخ والزيف والتشويه في جميع مناحي الحياة من تربية وتعليم ودين وسياسة وإعلام وفكر إجتماعي وثقافة سائدة ووعي طبقي لمساعدة الجماهير ودفعها للخروج من منطقة الإنشغال والإهتمام والتخدير والتعويم إلى منطقة المسؤوليّة والنضج والرشد فتحا للأبصار وتحريرا للمواهب ويقظة للعزائم والهمم.

إنّ التغيير القهري التعسّفي كقلب الحكم أو عن طريق العنف والفوضى والظلم الذي يطال البشر والشجر لا يحلّ الإشكال ولا ينير درب الإنسان ويفتح له آفاق جديدة بل يطيل أمد المحنة والأزمة الروحية والمعنويّة وتضيع حقيقة الإنسان فيتعطّل التاريخ مجدّدا بإستبدال ظلم قديم بظلم جديد متجمّلا بمساحيق ثوريّة لإنه لا يغيّر نفوسا ولا يصنع إنسانا ولا يبني جيلا وإنما يغيّر كراسي ومناصب وحال بحال .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات