سينما ورد الشّفايف.. سينما شهد الكلام

Photo

أمام سينما الرّعب اليوميّ.. لم نعد نجد وقتا لسينما الدّهشة الفاتنة.. سينما شهد الكلام..

أخذتنا سينما القتل الدّموي إلى مدائنها وسرنا إليها " والقلب خايف.. والرّوح رخام"..

" دنيا وتمثّل علينا ".. كلّ يوم مشهد جديد.. وجع جديد .. رعب جديد..

الوجوه في المشهد الجديد تحفر في قلوبنا كالسكّين: مشهد التّوابيت المصفوفة لرجال عاشوا حياة الكرام وماتوا موت العظام..

وحولهم الرّجال.. رفاقهم وأبناؤهم يذرفون الدّموع.. دموعا حقيقيّة وليست " خدعة جديدة زوّرتها الكاميرا"..

هل تقدر السّينما أن تفوق الواقع في رسم مأساتنا اليوم؟ مأساة تحتاج مخرجا عظيما ليصوّرها بعيدا عن سجون الإيديولوجيا ومضايق الأنساق التّي تحاصر بعض مخرجي السّينما التّونسيّة وبعيدا عن السّرديّات المألوفة التّي تشيطن المختلف دينيّا وفكريّا وسياسيّا وترجمه باسم حداثة مزعومة أوغلت في عنجهيّتها فأنتجت من رحمها ابنها " الظّلامي " غير الشّرعيّ .. ابنها المجهول الذّي يحيط نفسه بالحزام النّاسف لينسف الثّورة وينسف الدّولة وينسف المعنى..

" لقطة الفلم الجديد " أكثر رعبا ممّا توقّعنا.. عشنا صدمة الفرجة وكان الدم يغمر الرّصيف ويغطّي " ورد الشّفايف"..

لزمنا مقاعدنا أمام التّلفاز ننتظر.. فرجة أخرى ولقطة أخرى لكنّها كانت أضعف المشاهد وأكثرها قذارة.. تصفية حسابات تحت غطاء الألم وتلميحات وإشارات للإطاحة بالخصم.. صارت الفرجة جحيما وصرنا متفرّجين مهدوري الكيان..

اجتمع بعض أبطال بلاتوات الإعلام على شهد الكلام فتنادوا بالوحدة الوطنيّة ولكن وراء الكلام المحلّى والشّعارات الجميلة وورد الشّفايف كان القتل المعنوي: قتل كلّ معنى جديد.. كلّ فكرة حالمة فدعوا تحت شعار الوحدة ومقاومة الإرهاب إلى تضييق الحريّات وإعدام الحقوق ومحاربة الاحتجاجات وإعادة الكفاءات التي لا وجود لها عند غير التجمّعيين وإلى تمرير قانون المصالحة الاقتصاديّة دون محاسبة..

مافتئوا يستثمرون في دم الرّجال الرّجال للدّفع نحو تحقيق غايات اللّادولة ومحاربة الدّولة الجديدة: دولة مدنيّة ديمقراطيّة ترتوي بجماليّة الاختلاف وبالعدالة الاجتماعيّة وتشيع حقّ الجميع في الوجود الكريم..

صارت " الرّوح رخاما " وهي تعيش ضياع المعنى في أشرطة الخبراء الصّغار والمحلّلين الذّين يتخفّون وراء أقنعة الإرهاب لنفي أيّ تمثّل إنسانيّ للوجود المشترك وأيّ تمثّل إنسانيّ للإسلام.. عدوّهم الأوّل..

وصار الألم مضاعفا: ألم قتل رجال الدّولة وحماة حماها وألم محاولة قتل الدّولة بمحاولة اغتيال ثورتها ودستورها الجديد ومؤسّساتها..

وصارت " أحلامنا سينما "..

إلى أيّ مدى يمكن أن تصمد الدّولة أمام هذا الإرهاب المضاعف؟ إلى أيّ مدى يمكن أن نصمد؟ إلى أيّ مدى يمكن أن نمتلك أرواحنا ومصائرنا؟


" صرت مش عارف يا روحي

انت روحي بين إيديّ

ولّا انت.. حتّى انت سينما "


ضيّع الكثير البوصلة .. فتحسّروا على الماضي.. وصار المشهد السّينمائي بكاء على الأطلال.. تجاوزه الزّمان..


أمّا الأحرار فصرخوا صرخة درويش المدويّة:

وَنَحْنُ نُحِبُّ الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ


وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلاَ..

هؤلاء فقط سيصوغون سينما الدّهشة.. سينما الحياة.. سينما الحريّة والكرامة.. سينما الحقّ الإنسانيّ.. سينما تقتضي أبطالا من طينة أخرى.. من طينة الشّهداء الذّين انتشر دمهم على الرّصيف شقائق نعمان..

والمخرج العظيم هو من سيحوّل المأساة إلى ملحمة ينتصر فيها الإنسان على قاتلي الأحلام والثّورة..

نحتاج مخرجا عظيما..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات