أعجب القيود قيد الخط الأحمر للأمل

ما أكثر القيود التي تربط الإنسان بالدنيا، ولكن أعجبها جميعاً قيد الأمل، كما يقول (تاجور): والأمل حق مكتسب لكل البشر من الشاب الذي سلخ ستة عشر عاماً في الدراسة بين عصا معلم، وشتيمة أستاذ، وحرن بروفسور تصبب عرقُ أكاديميي رومانيا في إعداده ركناً من أركان تحديث علومنا، ثم لا ييئس هذا الشاب الذي فاتته مسابقات التعيين، فهو يأمل بأن يصبح مهرب مازوت لأن دخله يفوق دخل رئيس جامعة كامبردج، وهذا ما يفسر لنا تدني نسبة الانتحار الناشئ عن الإحباط بين شبابنا فقيودهم بالأمل أمتن من حبل المشنقة.

والأمل مشاع كالهواء... لذلك لن تستغرب أن ترى الرجل الذي أسعده الدهر بأن ينجب عشرة أطفال، يفكر في أيام البعث أن يترشح لمجلس الشعب فهو يمتلك رصيداً شعبياً يخوله التحدي، ولن يعييه الحصول على شهادة محو الأمية مادام عميد أسرة مؤثرة في الحراك الاجتماعي.

و لأن الأمل يكبر بوجود فاعلي الخير، فلن تستهجن أن يتبرع تاجرٌ مارس كل أنواع الاحتكار والاحتيال بزكاة مجزية مما استورد من لمبات منتهية الصلاحية لأحد شوارعنا، ليضيء للشبان الذين استغنوا عن كل مصادر الثقافة بموضات الجينز... ولن تستغرب كذلك عند ما تجد أن نسبة نجاح طلاب الجامعة متدنية باللغة الإنكليزية، بينما هم أبرع من شكسبير بلفظ مفردات إنكليزية وهم يخاطبون سائق السرفيس، أو بائع البوظة، أو الغجرية ضاربة المندل.

لكن الذي يستغربه منك طالب الأدب الإنكليزي هو أن تسأله عن اسم شاعر إنكليزي معاصر أو مفكر يكتب بالإنكليزية أبحاثاً غيرت وجه التاريخ، والأكثر استغراباً أن تسأل مدرساً خاب في تدريس مادته لأدنى الصفوف بسبب ضعف أسلوبه وعلمه، كيف تأتى لك أن تصبح مدرب معلمين وأنت ما أنت في التدريس؟ ولك أن تسأل عن عدد قرون الشيطان في كلمات وعدٍ يعدك به مسؤول.

لكن ليس لك أن تسأل موظفاً ارتقى سدة منبر ثقافي أو صحافي، كيف لك أن تدير هذه الفعالية المشتبكة مع خصوصيات ثقافية وإبداعية وأنت لا تعرف أن تعدد عصور الأدب، ولا تعرف إذا كان عبد السلام العجيلي شاعراً جاهلياً أم صاحب مطعم همبرغر…

ولك أن تسأل أكاديمياً أمضى عشرين عاماً في التقلب بين المناصب عن أفضل أنواع فرش الكراسي وعن أكبر عدد أرقام هواتف حفظها عن ظهر قلب، لكن ليس لك أن تسأله عن اسم مجلة أكاديمية واحدة مهتمة باختصاصه، ولا تستغرب لو سألته عن نظرية الاتصال الثقافي أن يقول لك: أريبا أم سيرتيل؟

لكن الذي لي ولك في هذا الوطن هو ما لأي مسؤول فيه ..وهذا حقنا كما هو حقه، ولنا كذلك أن نقول لمن يفسد: إنك استهلكت حقوقك وحقوقنا.. ولنا أن نقول لمن يخشى الذين يتحصنون خلف كراسيهم يافطة : هو مدعوم ومحسوب على سين. إنك أنت من تسهم بالتستر على الفساد والخطأ مهما كانت اعتباراتك، فهي شخصية أولاً وأخيراً لأن اعتبارات الوطن فوق الشخصيات مهما ما كانت وأياً كانت ..،ولنا أن نقول لمن لم يقرأ إلا مقالة تاريخ بنطلون الجينز في جريدة المستقبل وضحك له الزمان فركب صهوة تحرير صحيفة ألا يعاير كل الإبداعات بمخزونه الثقافي.

أما أنا فأقول للسيد رئيس التحرير لم أتجاوز الخطوط الحمر، لأن الخطوط الحمر هي التجاوز والفساد والتستر عليه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات