تحرير السوريين من لعنة الأمس

بنفس العجرفة التي "قرأ" بها جزء من "النّخبة " الثّورة التونسيّة والسّنوات العشر اللّاحقة، تقرأ اليوم ما يحدث في سوريا، بنفس الوثوقيّات ونفس السّرديّات الجاهزة: الرّبيع العبري ، برنار هنري ليفي، الإرهابيون الذين يحكمون الدولة بالانتخاب كما حدث في تونس أو بالسلاح كما في سوريا، اللّصوص الذين يستولون على السّلطة والمال العام تحت قناع الضحيّة، الوطنيّة والعمالة..

حصار فكريّ مروّع للعقل حتّى أنّه يعجز عن التّفكير خارجه، أو عن تصوّر إمكانيات أخرى للفهم في واقع معقّد لا يحتمل التّبسيط ويضيق بالسطحيّة وينفر الاختزال.

غياب الفكر المركّب يجعلنا نعيش لحظة شبيهة بما قبل العقل البشريّ حيث تنفلت الغرائز ويسود الانفعال وتحتدّ الاصطفافات وتسيطر التشوّهات، هو تقريبا ما عشناه لسنوات طويلة حتى صار حالة مزمنة.

ولا أرى ضوءا في آخر النّفق ما دمنا غير قادرين على أن نغادر هذه اللّحظة وما دمنا نغرق فيها كلّ مرّة بنفس العنف المتلبّس بها دون قدرة على أن نطأ لحظة العقل ولحظة الشّعر أيضا حيث يكفي أن نشاهد فرحة السّوريين بحريّتهم حتّى نتبيّن أنّهم استطاعوا معانقة أشواقهم تلك التي ظلّت عالقة على حافة الشّعر وأهازيج السّاروت وهتاف الأطفال.

أن نعيش بشعريّة على الأرض يعني أن ندخل لحظة الإنسانيّة حيث نغادر ركام السرديّات الجاهزة نحو حساسيّة إنسانيّة عالية تجعلنا ننتبه إلى الآخر في مواجهته لقدره المأساويّ بشجاعة ونبل، وفي رفضه أن تقبر أحلامه ثانية.

دون ذلك، لا أجوبة جاهزة لي عن السلطة الحاليّة سوى أنّها منذ أن أمسكت بالحكم، فهي المسؤولة عن الفرح السوريّ الهشّ، وعن الدماء التي تسيل, وعن تحرير السوريين من لعنة الأمس التي قد تتجدّد كلّ لحظة وكلّ حين، في واقع غير طبيعيّ في تعقيده، ولبسه، وغموضه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات