سيّدتي.. هل النصّ كتب بالعربيّة؟

Photo

يفتح الكتاب ويضع النصّ أمامه ويشرع في القراءة.. نصّ جاهليّ هو جزء من معلّقة طرفة بن العبد في وصف النّاقة.. يتيه بين الأبيات والكلمات كضالّ في الصّحراء فيتعثّر بين وهدة وتلال.. يستجمع قواه ليرقى هضبة كلمة ويقطع مفازة جملة هي أعسر لديه من قطع الشّنفرى أو تأبّط شرّا أو السليك بن السلكة للبراري والشّعاب وبطون الأودية. أتركه يصارع مصيره مع النصّ القادم من أزمنة التّاريخ القديم حيث للشّعراء جنّ يقيم في واد عبقر. ترهقه رحلة الكلمات ويتوقّف نفسه عند كلمة: لتكتنفن فيعجز عن نطقها فيعيدها مرّات مجزّأة: ل ـ تك ـ تن ـ فن ثمّ وهو يسرع مقلوبة: لتكفنتن ومكسّرة: لكف ـ تنتن ثمّ ينفجر ضحكا ويصرخ: سيّدتي.. هل النصّ كتب بالعربيّة؟

يعود إلى رحلته الشّاقّة حاملا معه رمحا لتفتيت صخر الكلمات.. تحوّل إلى أحد صعاليك الجاهليّة..

يتوقّف عند قول طرفة:


وعينان كالماويتين استكنّتا ** بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد.


يصطدم بصخرة النصّ ويتوه في كهف القصيد فينظر إليّ مستنجدا كمن وقع في واد سحيق ولكن لا منجد.. هيّا خض معركتك مع النصّ كما خاض تأبّط شرّا معركته مع الغول وانتصر عليها.. كن بطلا.. ماذا لو سمعت ما قاله تأبّط شرّا في وصف معركته مع الغول:


‏ألا من مبلغٌ فتيان فهمٍ ** بما لاقيت عند رحا بطانِ
فإني قد لقيت الغول تهوي ** بسهبٍ كالصّحيفة صحصحانِ
فقلت لها‏:‏ كلانا نضو دهرٍ ** أخو سفرٍ فخلّي لي مكاني
فشدّت شدّةً نحوي فأهوى ** لها كفّي بمصقولٍ يمانِ
فأضربها بلا دهشٍ فخرّت ** صريعاً لليدين وللجرانِ
فلم أنفكّ متّكئاً لديها ** لأنظر مصبحاً ماذا أتاني
إذا عينان في رأسٍ قبيحٍ ** كرأس الهرّ مشقوق اللّسانِ
وساقا مخدجٍ وشواة كلبٍ ** وثوبٌ من عباءٍ أو شنانِ


يعود إلى تسلّق النصّ بعد خيبة وقد احتقن وجهه ويتهجّى البيت:


وأرـ وع نب ـباض أحذّ ملم ـ لم ** كمر ـ داة صخر في ص ـ فيح مصم ـ مد

سيّدتي النصّ ليس عربيّة.. أنا أعرف العربيّة

هيّا تمسّك جيّدا بصخر النصّ.. ستجد وراء النّتوءات التّي يؤلمك السّير عليها حافيا معنى جميلا وصورة بديعة وقيما مثلى.. ستكتشف عبقريّة النصّ الجاهلي وحضور العرب في العالم.

ينهي النصّ بجهد جهيد:


وإن شئت أرقلت وإن شئت لم ترقل ** مخافة ملويّ من القدّ محصد
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ** ألا ليتني أفديك منها وأفتدي

يتنفّس الصّعداء ويرفع رأسه مبتسما: انتصرت مثل تأبّط شرّا.

أقول له: أنت بطل.. هذه هي العربيّة.

يقول مستنكرا: لا.. ليست هذه العربيّة.. هذه " شنوا "..عربيّتي هي ما أقرأه على الفايسبوك.. بالدّارجة وبأحرف لاتينيّة..

ماذا؟ دارجة وأحرف لاتينيّة؟ ماذا فعلنا بأنفسنا؟

وماذا فعلت بنا يا مارك؟ احذرنا نحن قوم إن ظلمتنا في لغتنا فسنقول لك بلغتنا الجاهليّة التي قدّت من صخر وحديد كناقة طرفة.. لغة حضارة أقدم من حضارتك بآلاف السّنوات:


ألا لا يجهلنّ أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا


وسنتركك تخوض شعابها ووهادها وأوديتها لفهمها وستتيه فيها .. على الأقل أقوياء بلغتنا وخزّان القيم بداخلها..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات