الصمت الذي يأكل من الماضي ومن المستقبل السياسي

Photo

أسعار المواد الغذائية التي تشكل ثلث قفة المستهلك التونسي ارتفعت ب4% بين أوت وسبتمبر 2015، وارتفعت أسعار الخضر ب15.2% والزيوت الغذائية ب8.2% والغلال والفواكه الجافة ب1.2%. وارتفعت أسعار الأدوات المدرسية ب11.9% في سبتمبر بالمقارنة مع ما كانت عليه في سبتمبر 2014.

من خلال تلك الأرقام وغيرها مما يرد في موقع المعهد الوطني للإحصاء، نتبين ليس فقط أن الأسعار لم تنخفض كما كان البعض يعدون من يستمع إليهم، وإنما هي ارتفعت وتدهورت بالتالي المقدرة الشرائية في ظل حكومة نداء تونس. الإعلاميون الذين كانوا في خدمة السيستام غير متوقع منهم أن يثيروا الموضوع. هذا طبيعي. وإنما السؤال عن صمت السياسيين الذين عرفونا بأنهم هم المدافعون عن الزواولة وحيث كانوا لا يتكلمون إلا عن قفة الزوالي وغلاء الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية. صمتهم اليوم يشي بأن كلامهم بالأمس في عهد الترويكا، لم يكن صادرا عن مبدئية، وإلا فلماذا هم اليوم صامتون؟ وماذا عساه يكون هذا الصمت إن لم يكن تواطؤا مع الحكام الجدد؟ وإلا فهل نتصورهم قد خضعوا هم أيضا للضغوط المختلفة أو حتى للإغراءات حتى يتكلموا بالأمس ويصمتوا بالأمس؟ وفي انتظار أن يبرروا الصمت فهو ولا شك يأكل يوميا من صورتهم التي حرصوا على الظهور بها كمبدئيين أو كمدافعين عن الفئات الضعيفة، وهو صمت يأكل من مصداقيتهم وبالتالي من مستقبلهم.

على كف آخر، لم نسمع شيئا أو نكاد عن التعيينات في مختلف الإدارات بمختلف درجاتها، إلا أن قائمات الولاة والمعتمدين التي تم الإعلان عنها -اضطرارا- تبين أن ما يحكمها هو منطق الغنيمة والاستحواذ في آخر المطاف على مفاصل الدولة. ألم يقل مرزوق نفسه بأنه "من حق نداء تونس كحزب فائز في الانتخابات أن يكون له النصيب الأوفر من التعيينات" وأن منظوريه "يشعرون بالغبن" إزاء هذا الملف. تصوروا لو قالت ذلك أحزاب الترويكا، وأما خطاب مرزوق فقد مر في ما يشبه الصمت المطبق. دعنا هنا من الإعلاميين، عباد مأمورون. مثلهم الخبراء الذين كانوا بالأمس القريب مهمومين بغياب الكفاءات، ولم تحركهم اليوم تسمية معتمدين لا يحوزون على الحد التعليمي الأدنى لمثل هذا الدور، في بلد يعد مئات الآلاف من حاملي الشهادات العليا المعطلين.

وأما الصمت الصمت فهو صمت السياسيين الذين يراهنون على المستقبل، والذين رأيناهم في زمن الترويكا يطالبون بتحييد الإدارة وبالعدول عن التسميات الحزبية ويبدون تخوفهم من تغول الحزب الحاكم وسيطرته على مفاصل الدولة الخ، فما معنى صمتهم اليوم، وكأنهم تخلوا عن سابق أقوالهم واحتجاجاتهم وانتقاداهم. المقصود هنا ليس "مناضلي" الحزب الحاكم، فلهؤلاء الحق في التلون حسب الظرفية، وإنما السؤال حول معارضي الحزب الحاكم في البرلمان وفي الشارع والذين لا بنفك أن يرتد عليهم صمتهم، ليكشف ازدواجية طالما نددوا بها، فإذا بها -ومع الأسف على التعبير- أحد المبادئ التي يسيرون عليها.

صمت هؤلاء من الأكيد أنه ينال من ماضيهم إلا أنه أيضا ينتهي بغلق الأبواب أمام مستقبلهم. جفت الأقلام.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات