السلطة المضادة

جمعيات ومنظمات ونقابات المجتمع المدني مكسب لمنظوريها...وللمجتمع...وللوطن...ولا يخربها سوى المخربون.. ليست لهم أية ذريعة....لما يختلفون مع من يقود بعضها...للمطالبة بتخريبها...مهما كانت أخطاء قياداتها....فهي وقتية...وما يدوم "في الواد كان حجرو"... فهي مكسب للمجتمع...ضحت من أجله أجيال من المناضلين...وستبقى رغم أنوفهم الانتهازية..

هؤلاء يخدمون....وأقرأ للبعض ما يندى له الجبين مما ينشرونه في تدويناتهم التخريبية... لأغراض شخصية...او مصلحية... أو فئوية....مساندتهم لانقلاب يصرح علنا.. ويعمل في الواقع على القضاء على القوى الوسيطة في المجتمع... لتأثيث حكمه الفردي الشمولي... بينه والشعب "الذي يريد"....وهو لم يريد... وهناك من سقط في دعايتهم التخريبية...فأخذته القريحة للمجهول…

هؤلاء يدرون أو لا يدرون....هم معاول الثورة المضادة...يساهمون موضوعيا في إعانة حكم شمولي فردي استبدادي...يعمل على القضاء على القوى الوسيطة في المجتمع "ليخلى له الجو"...بللإستعانة بأزلامه هؤلاء الواعين...أو غير الواعين بخلفياتهم…

فبحيث....

جمعيات ومنظمات ونقابات المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية مستقلة.. وهي سلطة مضادة للسلطة القائمة مهما كانت تلك السلطة... وسلطة اقتراح حسب مواثيقها والأسباب التي بعثت من أجلها..وإلا فهي مكونات موظفة لصالح السلطة القائمة.. لكن أنظمة الإستبداد...تعادي هذا التمشي المستقل عنها...لأنها ترفض كل ما يخرج عن الاصطفاف وراءها... ولذلك فهي تكون جمعيات ومنظمات وظيفية...لتبرير الإستبداد وانتهاك الحقوق والحربات…

ولما تكون هناك فعاليات مجتمعية مستقلة فهي تعمل على افتكاكها من الداخل عن طريق مؤتمراتها الديمقراطية الدورية باستعمال أزلامها...وهذا ما يلقب بالإنقضاض على القلاع من الداخل... ولما تفشل في ذلك... تمر إلى الدرجة الأعلى بالمنع من النشاط وتسكير المقرات..الخ...إلى الغلق…

وهي كلها انتهاكات لا يمكن التصدي لها سوى بتجميع الصفوف...لغرضين أساسيين وهما الحفاظ على وجود المنظمة مستقلة....وللقيام بدورها الطبيعي الذي بعثت من أجله...باتباع طريق النضال المدني السلمي الواسع... شخصيا تجربتي الطويلة في رابطة حقوق الإنسان... تعلمت منها هذا.. ومن بينها مثلا.... اننا لما انتصرت في مؤتمر 1994 في الهيئة المديرة القائمة الموالية للسلطة والتي كانت تضم ممثلين عن التجمع وأحزاب الديكور وشخصيات وطنية معروفة على أنها مستقلة ..ضد قائمة من المستقلين عن السلطة من اتجاهات فكرية يسارية مختلفة متحالفين مع مناضلين من أطراف معارضة للسلطة...كان هناك من أعتقد أن الرابطة انتهت...متناسين ما تضمه من فروع مناضلة في مجال حقوق الإنسان...وما تزخر به من منخرطين يؤمنون بحقوق الإنسان في مفهومها الكوني وشمولية الحقوق...ولكل الناس..

لكن...وهي ترفة تاريخية...كنت آنذاك من بين رئاسة المؤتمر، وأثناء فرز الأصوات والنتيجة كانت شبه معلومة مسبقا، بسبب نتائج التصويت على اللوائح والتنقيحات التي حصلت قبل التصويت على أعضاء الهيئة المديرة...استدعيت من طرف بعض المستقلين الموالين للسلطة في ذلك المؤتمر (كانو يمثلون نصف القائمة من 25 د...والنصف الباقي من ممثلي التجمع وأحزاب الديكور )...للنقاش حول مآلات ما بعد المؤتمر...جوهرها عند بعضهم إن كنا سنبقى في الرابطة أو أننا سنغادرها بعد المؤتمر...لأن هناك من غادرها من الجلسة الإفتتاحية...وهذا موضوع آخر…

وكنت طبعا أثناء الحديث متشنجا (لصغر سني آنذاك ههه...توا شربت عرقي هههه)..كنت أحتج عليهم كيف لمستقلين في رابطة ;حقوق إنسان...أن يوالوا سلطة تخطط لثنيها عن القيام بوظيفتها التي بعثت من أجلها...وتوظيفها لتبرير الإستبداد.. وكانو يراوغون...بتنظيرات سياسوية...إلى أن نطق أحدهم من أعماقه...بعد أن شرب ما تيسر من المياه العذبة المعتقة...(كنا في نزل هههه)...فاجابني من عمق جوارحه ... فقال لي حرفيا: ياخي شبيك تتفزعك علينا… هههه …عامللنا فيها ما تعرفش؟ ماو كيف ثمة مستقلين عندكم...ثمة مستقلين متاع بن علي..هههه …

طبعا لم يوافقه الآخرون..لأنه كشف ما في الصدور...ونهروه بمنطق "موش صحيح"...وواصلو التتظير الثقفوتي...حول موازين القوى آنذاك وضرورة اعتبار متطلبات المرحلة...وضرورة توخي الخطاب العقلاني... "وهات من هاك اللاوي" و "ثني الركبة" ههه. في انتظار "تعقيب" المرحلة الحالية...الخ من الخرمولوجيا…

لكن بعد هذا المؤتمر التاريخي الذي كان مفصليا في تاريخ الرابطة لأنه وضع النقاط على الأحرف في علاقة بنظام الاستبداد لبن علي ..كان هناك من بيننا من قال أن الرابطة انتهت...ودعى للخروج منها...ولا أريد ذكر الأسماء...لأن المجالس بالأمانات كما يقال أخلاقيا عندنا... وكنت شخصيا من بين العديد الذين واجهو هذا الموقف السلبي غير المقصود (ولا شكر على واجب..ههه... خاطرني نشوف ان الدنيا ديما اتدور...وغير مستقرة...هههه)…

وفي الكثير من الفروع في الرابطة .. نظمنا المواجهة من الداخل حتى تكون الرابطة مستقلة عن السلطة ... وتقوم بوظيفتها التي بعثت من أجلها... وللتاريخ...وهي شهادة موضوعية...لأنه لا يأتي لي جفن إن ظلمت أحدا... لأني اختلفت معه يوما ما...

فقد حاول بن علي ان يجعل من تلك الهيئة المديرة...زمرة بني ويويست لتبرير الإنتهاكات التي كانت تتفاقم يوما بعد يوم...لكنهم رفضو... ورويدا رويدا... فهمو (طبعا في تقديري الشخصي)..أن ما كانو ينظرون به سنة 1994...مجرد أضغاث أحلام...وأن عصا بن علي تطال كل من لا يصفق له...ويعتبر ان من حقه ان لا يصفق له.. وكانت سياسته آنذاك افتكاك الرابطة من الداخل بتعميمها بالمنخرطين التجمعيين...فأوقفوا قبول منخرطين جدد.. ورفضوا تجديد هيئات الفروع حتى لا تتغير تركيبة المؤتمر لصالح أزلام بن علي..."للمحافظة على الشقف"...كما كانو يقولون…

ونسق أغلبهم مع الفروع المناضلة (كان هناك أكثر من 40 بقليل أغلبها ضد توظيف الرابطة لتبرير الإستبداد)...لتنظيم مؤتمر انعقد أخيرا في سبتمبر2000...بعد تحضير وتنسيق لم يقصى فيه أحد متمسك بميثاق الرابطة واستقلاليتها عن السلطة...وكان هذا المحدد...في قائمة موحدة تحت عنوان الوفاق الرابطي... وكانت أرضيتها طبق شعار كل الحقوق في مفهومها الكوني والشمولي.. لكل الناس....وتطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين…

واستقبلنا في المؤتمر زوجات مساجين سياسيين إثر محاكمات جائرة وتعذيب...و تمكن من الاتصال بضيوف المؤتمر من تونس والخارج للتعريف بمآسيهن ..مما أغضب كثيرا البوليس السياسي لبن علي الذي كان مرابضا 24 على 24 أمام مقر المؤتمر...هههه هههه … فانتصرنا معا...(بعد ما رجع شاهد العقل لأغلبهم أمام إكراهات الواقع المعاش)...على ممثلي السلطة ومن بقي معها من أحزاب الديكور في مؤتمر سبتمبر 2000…

فبدأ المنع وغلق المقرات وتوظيف القضاء ضد الرابطة (33 قضية)....وواجهناهم بالصمود والنضال السلمي في كل مكان يمكن أن نتنفس فيه...هههه…

وكان ذلك طبعا....وأساسا...مع القيام في نفس الوقت بالوظيفة التي بعثت من أجلها الرابطة في كل مكان يمكن أن نتنفس فيه...بالتشهير بالإنتهاكات في كل مكان ممكن في تونس وفي الخارج وفي كل الهيئات والمحافل الممكنة...بالتعاون مع مناضلين حقوقيين مقيمين في الهجرة...وكان لهم فضل تاريخي كبير لا يمكن ان ينكره سوى الجاحدين...حتى لو تختلف المسارات بينهم بين الفينة والأخرى...فتلك ضريبة القيم الديمقراطية…

وكذلك بالبلاغات الكثيرة شبه الأسبوعية حول الانتهاكات... والتقارير الحقوقية المختلفة حولها... وهذ الذي منع بن علي من التجرأ على حل الرابطة جملة وتفصيلا...لأنه تقين لو أنه أقدم عليه.. فسيتواصل رغما عنه كل ذلك... رغما عن أنفه وبوليسه السياسي...وأكثر...هههه …

وقد كان آنذاك يكذب للخارج...ويدعي في لهم انه لم يحل الرابطة بدليل أنهم يصدرون البيانات والتقارير مثل المنقلب على الدستور اليوم... الذي يدعي انه لا يهدد حرية التعبير بمراسيمه وتلفيق القضايا..بما انه لا يزال بعضهم يعبرون... ههه... وكان هذا طبعا خوفا من ضغط أسياده من مموليه...ورأيهم العام الديمقراطي الذي يحرجهم…

وبحيث...يقول القايل علاش خرفت الخرافة هاذي؟

لأنها من تجارب الحياة.. وطبعا هي حسب تقديراتي الشخصية ولا ألزم بها أحد ...وحسب آرائي التي لا تلزم سوى شخصي... وبحيث...كل المقارنات مع ما يحصل اليوم من تجاذبات في فعاليات المجتمع المدني والاجتماعي...لا تلزم سوى أصحابها.. هههه …

ياخي آنا مالي؟ ههههه ههههه …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات