سعيّد يطرد صندوق النقد الدولي نهائيا من تونس…

جملة كهذه تصلح عنوانا دعائيا ايديولوجيا رنانا لمقال يكتبه يساري محوّر جينيا إلى زقفوني مثل خليل الرقيق. لكن تصريح سعيّد أمس يحتاج بالفعل تدقيقا.

بعد أن ترك لحكومته صلاحيات التفاوض مع صندوق النقد لأكثر من سنة، وبعد أن تقدمت حكومته خطوات كبرى في تنفيذ جزء كبير من شروط الصندوق كالشروع في رفع الدعم التدريجي عن المحروقات ووقف الانتدابات في الوظيفة العمومية وتجميد الأجور وتخفيف كتلتها بالتقاعد المبكر، وانفجار الأسعار ...الخ، ملتزما صمتا كاملا حول هذه المفاوضات، وبعد أن تمترست دول الصندوق في اشتراط استكمال تنفيذ تلك الشروط قبل تسريح القسط الأول من القرض، بعد كل هذا يخرج سعيّد بتصريح ثوري راديكالي وتاريخي ليقول:

"مانيش بش نسمع كلام صندوق النقد. نرفض هذه الإملاءات. ولا حاجة لنا بأموالهم. سنعتمد على أنفسنا. عندنا أموال الصلح الجزائي.. ويجب عليهم أن يعيدوا إلينا الأموال المنهوبة في بنوكهم".

هل يعني هذا أن حكومته ستسحب اليوم مطلب القرض؟

الأكيد لن تفعل. فاقتصاد تونس مندمج كليا في دورة المال والديون الرأسمالية ولا يمكنه فك ارتباطه بهذه الدورة بقرار مسقط. هل يعني هذا أن صندوق النقد والدول الداعمة له ستقول لسعيّد أنت حرّ في قرارك و" برّا تلقى الخير"...؟

طبعا لا. المصالح الغربية في تونس والإقليم والقارة لا تدار بالانفعالات والشعارات، ولا تتوقف على تصريحات "أفراد".

وعلى افتراض صدق رغبة سعيّد في الاستغناء عن الصناديق الاستعمارية، وهو مطلب وطني استراتيجي حقيقي، هل يمتلك سعيّد بدائل واقعية عن قرض الصندوق لتمويل ميزانية أعدها عقل بنكي غربي خالص؟

للأسف لا يوجد أدنى مؤشر على هذا.

إذن لماذا جرؤ سعيّد على هذا الإعلان المسرحي للقطيعة مع صندوق النقد؟

الأمر لا يتجاوز الابتزاز العاري لدول الصندوق:

ثبّتوني في الحكم وواصلوا دعمي بسخاء ومن دون شروط رغما عن أنوفكم، ولا يعنيكم أن أحكم بدستور أو بكراس الخطّ الكوفي.. أو سأطلق عليكم جحافل شعوب إفريقيا الجائعة تفسد عليكم رفاهكم وتتمتع معكم بجزء من ثرواتها التي نهبتموها منها.

هل سيقبل الغرب بهذه الصفقة؟

رغم أن الجواب يفترض تفصيلا في السيناريوات. لكن جوابي النهائي. نعم سيقبل.

تدقيق: حين أقول سعيّد أقصد "عصبية الحكم" الانقلابي الحالي بالمعنى الخلدوني تماما.

وتبا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات